لديّ نصيحة صغيرة أود توجيهها لمعلمي أميركا: إذا ما كنتم تريدون أن تكونوا موضعاً لحب قادة الرأي والرؤساء التنفيذين للشركات، فلا تتجمعوا على هيئة مجموعات. فعلى ما يبدو فإن جميع الأشخاص تقريباً يحبون المعلمين كأفراد، أما عندما يتجمعون فإنهم يشكلون -في نظر هؤلاء الأشخاص- تهديداً للحضارة! وهذا درس، من أوضح الدروس التي يمكن الخروج بها من الإضراب الذي قام به المعلمون في شيكاغو وانتهى منذ فترة قصيرة. فهذا الإضراب الذي استمر لسبعة أيام، لقي إدانةً من مجالس التحرير الصحفية المختلفة، سواء في الصحف اليمينية مثل "وول ستريت جورنال" أو الليبرالية مثل "نيويورك تايمز". فاتحاد معلمي شيكاغو، في نظر الصحف، لم يكن يحرم طلاب المدينة من حقهم في التعليم خلال مدة الإضراب فحسب، وإنما في كل يوم تقريباً، وذلك من خلال الإصرار على عدم الخضوع لما يعرف بـ"الاختبارات الموحدة" التي تمثل في نظر النخب المختلفة، حجر زاوية في العملية التربوية، والطريقة المثلى لقياس الأداء ليس بالنسبة للطلاب فقط وإنما للمعلمين أيضاً. والهجوم بلا هوادة على اتحادات المعلمين يؤدي، أيضاً، إلى عواقب يمكن قياسها، وهو ما يبدو واضحاً من حقيقة أن ما يزيد على 90 في المئة من معلمي شيكاغو، قد صوتوا لمصلحة التفويض بإجراء الإضراب، وأن الهيئة الحاكمة في الاتحاد، كانت غير واثقة للغاية من طريقة إدارة عمدة شيكاغو، "رام إيمانويل"، لدرجة أن الأمر قد احتاج ليومين إضافيين للانتهاء من تناول التفاصيل الدقيقة للعقد المقترح من جانب الاتحاد. لسنوات عديدة ظل العديدون يمتدحون أداء المدارس المعروفة باسم" مدارس الميثاق" Charter Schools، وهي عبارة عن مؤسسات تعليمية مستقلة تعمل على أساس ميثاق أو اتفاقية تعطيها امتيازات عن غيرها من المدارس. وهذه المدارس غير المقيدة في الاتحادات التعليمية ،كان ينظر إليها على أنها تمثل بديلاً مفضلاً للمدارس العمومية Public Schools لكن بحثاً، يعتبر الأكثر شمولاً من نوعه أجراه "مركز أبحاث المخرجات التعليمية" التابع لجامعة ستانفورد، لقياس أداء الطلاب في مدارس الميثاق، توصل من خلال متابعة أداء 2403 مدرسة ميثاق خلال الفترة من 2006 وحتى 2008، إلى أن ما يقرب من 17 في المئة فقط من تلك المدارس حقق نتائج في اختبارات الرياضيات أفضل من المدارس العمومية العاملة في نفس المناطق، وأن نتائج 37 في المئة من تلك المدارس في الرياضيات كانت "أقل كثيراً" من نتائج المدارس العمومية، وأن نتائج 46 في المئة منها كانت "غير قابلة للتمييز إحصائياً" عن نتائج المدارس العمومية المماثلة. وتضمّن المسح قدراً كبيراً من البيانات الأخرى، بما في ذلك بيانات خاصة بدراسة عن المدارس العمومية ذات الأداء المرتفع، أجراها "المركز الوطني للإنجاز التعليمي"، أظهرت أن استخدام الاختبارات كوسيلة تشخيصية، وليس تقييمية، يؤدي إلى نتائج أفضل من الوسيلة التي يستخدمها المصلحون التربويون لقياس أداء المعلمين والطلاب على حد سواء. ويشار في هذا السياق إلى أن "جريج أنريج"، الخبير بـمؤسسة "سنشري فاونديشين"، كتب مقالاً في مجلة "باسيفيك ستاندارد"، رأى فيه أن استخدام الاختبارات الموحدة كوسيلة وحيدة لقياس أداء المعلمين، يرقى إلى إخضاع العملية التعليمية إلى نوع من التايلورية Taylorism- نسبة إلى فريدريك وينسلو تايلور (1856-1915)، وهي عبارة عن دراسات للحركة والزمن (time and motion study) لا تزال محل إعجاب وتقدير من قبل بعض مديري المؤسسات حتى الآن، رغم مرور ما يربو على ثلاثة أرباع القرن على اعتمادها. وهذه الدراسات -لمزيد من التوضيح- تختصر أداء العامل والموظف إلى مجرد القيام بالمهام الأساسية المتكررة، رغم أن هناك طرائق إدارة أخرى أكثر نجاحاً دعا إليها علماء من أمثال "دبليو إدواردز ديمنج" الذي ذهب إلى أن تقييمات الأداء التنافسية أدت إلى تآكل الرأسمال الاجتماعي والثقة اللتين تحتاج إليهما المؤسسات الناجحة. ومن المعروف أن الطريقة -الأكثر تعاونية من طريقة تايلور- التي دعا إليها ديمنج قد اعتمدت من قبل اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كما وفرت معلومات جمة مفيدة للغاية للممارسات الإدارية للعديد من الشركات الناجحة مثل فورد وكايسر في الولايات المتحدة. ووفقاً لبعض العلماء المتخصصين في شؤون التربية والتعليم فإن هذه الطرق تقدم مردوداً جيداً للغاية في العملية التعليمية كذلك. وثمة معلومات وبيانات أخرى سوف يحسن "المصلحون التربويون" صنعاً إذا ما درسوها بدقة، وأولوها ما تستحقه من اهتمام. منها أنه في الأسبوع الماضي، كلفت نشرة "كابيتول فاكس" الخبرية المتخصصة في الشؤون السياسية، بإجراء استطلاع للرأي للناخبين في مدينة شيكاجو. وقد تبين من واقع ذلك الاستطلاع أن 66 في المئة من الآباء الذين يدرس أبناؤهم في المدارس العمومية بالمدينة، قد دعموا الإضراب المذكور، في حين لم يدعمه سوى 56 من الناخبين في المدينة بشكل عام. والخلاصة التي يمكن الخروج بها من كل ما تقدم، هي أن شيطنة اتحادات المدرسين، بدلاً من التعاون معها، لن تقود إلى شيء في مجال تحسين التعليم الأميركي: أما التعاون مع المدرسين وليس العمل ضدهم، فيمثل في رأي الكثير من الخبراء المتخصصين، طريقةً أفضل كثيراً لتطوير مدارس الولايات المتحدة ونظامها التعليمي برمته. هارولد مايرسون كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"