هل تعمل الأمم المتحدة على حفظ السلم العالمي والكرامة الإنسانية، أم أنها تمثل في الغالب، ومنذ إنشائها، محفلاً دولياً للخطابات والنقاشات العقيمة؟ سؤال ربما لا يوجد من هو أكثر أهلية للإجابة عليه من كوفي عنان الذي أمضى كل حياته المهنية تقريباً داخل أروقة المنظمة الدولية التي تدرج في مناصبها إلى أن بلغ أعلاها من 1997 إلى 2006، فترة أحرز خلالها، إلى جانب المنظمة التي يقودها، جائزة نوبل للسلام في ديسمبر 2001 تقديراً لجهوده من أجل نشر السلام في العالم. في كتابه الجديد "تدخلات... حياة في الحرب والسلام"، يحكي عنان قصته على رأس المنظمة الأممية تجاربه الفريدة خلال محطات عالمية طبعت نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، مثل هجمات 11 سبتمبر، والغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، والحرب الإسرائيلية على "حزب الله"، وحروب الصومال ورواندا والبوسنة، والتحولات الجيوسياسية عقب نهاية الحرب الباردة. خلال أربعين عاماً ونيفاً من الخدمة في الأمم المتحدة، بينها 10 سنوات كأمين عام، تحمل عنان نصيبه من المسؤولية عن بعض أسوأ كوارث حقوق الإنسان في العالم. وهكذا، تحمل عنان، حين كان مساعداً للأمين العام مكلفاً بحفظ السلام خلال التسعينيات، المسؤولية عن مهمتي الأمم المتحدة في البوسنة ورواندا، اللتين فشلت فيهما قوات حفظ السلام في وقف قتل المدنيين تحت أنظارها. وقد جعلت تلك الإخفاقات الكثيرين يتطلعون إلى مذكرات عنان على أمل أن يجدوا فيها ما يلقي مزيداً من الضوء على تلك الأحداث، وربما تلميحاً إلى بعض التقصير من جانبه، لكنهم سيصابون بخيبة أمل. فالكتاب الذي ألفه عنان مع مستشاره وكاتب خطاباته السابق نادر موسوي زاده، يهدف في المقام الأول إلى دعم تركة عنان وتلميعها، وتذكير العالم بأن المسؤولية الأكبر إنما تقع على عاتق القوى الكبرى في العالم، خاصة الولايات المتحدة، لأنها لم تقم بمد الأمم المتحدة بالجنود والأسلحة لمواجهة مرتكبي الانتهاكات. البعض يرى أن عنان كان محقاً حين سلّط الضوء على الولايات المتحدة خاصة، ومن ذلك عرقلة إدارة كلينتون لأي تحرك في مجلس الأمن بخصوص رواندا، وذهاب إدارة بوش إلى الحرب في العراق استناداً لأدلة واهية وبدون خطة لمرحلة ما بعد الحرب فتركت البلاد في حالة فوضى. غير أن هناك من يرى أن عنان يميل إلى التقليل من عواقب قرارات مصيرية اتخذها شخصياً. ولعل رواندا مثال جيد في هذا الباب، فعشية المذبحة التي عرفتها في 1994، بعث قائد قوة الأمم المتحدة، الليفتانت جنرال الكندي روميو دالير، برقية إلى عنان يقول فيها إنه اكتشف خطة تروم إبادة التوتسي وإنه ينوي مهاجمة مخزن للأسلحة سيستعمل لتسليح مرتكبي أعمال القتل الجماعي. لكن عنان أمره بإلغاء المهمة، قرار اعتبره دالير كارثياً. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول عنان إنه لم يكن ثمة رد منطقي آخر، بالنظر إلى افتقار قوة حفظ السلام التابعة الأممية إلى المعدات الكافية وتردد إدارة كلينتون في دعمها، لاسيما عقب الضربة التي تلقتها في الصومال وقتل خلالها 19 جندياً أميركيا. لكن مما يحسب لعنان أنه سعى إلى استعمال إخفاقات البوسنة ورواندا لتطوير استراتيجية تهدف إلى تلافي جرائم إبادة جماعية جديدة. فقام باستعمال جيوش وطنية -الأستراليين في تيمور الشرقية مثلاً- لفرض السلام في نزاعات ساخنة عبر العالم؛ ومكن قوات حفظ السلام الأممية في بلدان مثل الصومال والكونجو وهايتي من استعمال القوة المميتة في حالات محدودة لصد العصابات ومن يسعون إلى إحباط مهام الأمم المتحدة. كما أن عنان هو الذي رعى عقيدة دولية جديدة عرفت باسم "مسؤولية توفير الحماية"، التي تضع على عاتق الدول المسؤولية الأخلاقية لحماية مواطنيها من القتل الجماعي وتطالب الدول القوية بضمان أن يكون استعمال القوة شرعياً، وبتفويض دولي. محمد وقيف تدخلات... حياة في الحرب والسلم المؤلف: كوفي عنان الناشر: بينجوين برس إتش سي تاريخ النشر: 2012