جلبت الظروف، التي فرضتها العولمة والانفتاح الاقتصادي وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة التي أوجدت تقارباً وانفتاحاً غير مسبوقين بين الدول، أنواعاً جديدة من الجرائم الاقتصادية الإلكترونية، وهذا أوجد ويوجِد صعوبات كبيرة أمام الجهات المعنيّة بمكافحتها والتصدي لها. والأكثر من ذلك هناك دول، كما هي الحال بالنسبة لدولة الإمارات، تتبنّى توجّهاً أكثر انفتاحاً من غيرها على العالم الخارجي، وهذه الدول تجد نفسها أمام تحدٍّ إضافي، بل إنها تجد نفسها أمام معضلة صعبة، فالحرية الاقتصادية التي توفرها على أراضيها قد يستغلها أصحاب الجرائم الاقتصادية في التوسع في أنشطتهم، في الوقت نفسه الذي تصبح فيه الوسائل التقليدية غير كافية لمكافحة مثل هذه الجرائم، الأمر الذي يصعِّب هذه المهمة، ومن ثم يدفع السلطات المسؤولة إلى ابتكار أساليب جديدة تساعدها على مواجهة مثل هذه الجرائم من دون أن تحد من الحريات الاقتصادية. وتتأسّس الجهود التي تقوم بها الإمارات في هذا الشأن على أطُر تشريعية وتنظيمية على درجة عالية من الكفاءة والقدرة على محاصرة الممارسات الضارّة وغير الشرعية والسعي إلى القضاء عليها بشكل تامّ، ضمن منظومة عمل متكاملة لمكافحة ما يسمى "الجرائم الاقتصادية"، والتي تشمل ممارسات الغشّ التجاري والتلاعب بالأسعار والاعتداء على الملكية الفكرية وبراءات الاختراع والعلامات التجارية وقرصنة البرمجيات وغسل الأموال، وغيرها من الممارسات الضارّة. ولعل الكشف المتواصل من قِبل الدولة عن تمكّنها من القبض على بعض المخالفين والمتهمين في الجرائم الاقتصادية، التي كان آخرها إعلان شرطة دبي تمكّنها من ضبط 897 جريمة اقتصادية بقيمة 364 مليون درهم، تورّط فيها 1213 شخصاً خلال الشهور العشرين الأخيرة، هو مؤشر ذو دلالة واضحة على كفاءة الإجراءات التي تطبقها السلطات الإماراتية في هذا الشأن، وقدرتها العالية على محاصرة المخالفين، وأن هذه الجهود قادرة بالفعل على السير بتوازن بين اعتبارات الحرية الاقتصادية من ناحية واعتبارات مكافحة الجرائم وتوفير الأمان الاقتصادي من ناحية أخرى. إن الجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة الجرائم الاقتصادية ومكافحتها تعتمد في الأساس على الخبرات والقدرات الذاتية التي بنتها على مدار عقود وسنوات من العمل والجهد الحثيث، وعلى الاستثمار الواعي في مجال تطوير الآليات والإجراءات والأطُر التشريعية، وعلى التدريب المتواصل للكوادر البشرية العاملة في المؤسسات الحكومية المسؤولة عن هذا الملف، وبالإضافة إلى القدرات والخبرات الذاتية لا تدّخر الدولة جهداً في التعاون مع الدول صاحبة التجارب الناجحة في مجال مكافحة الجرائم الاقتصادية على المستوى العالمي، من أجل الاستفادة من تجاربها وخبراتها. وفي هذا الإطار وقّعت الحكومة الإماراتية خلال الشهور الأخيرة، ممثّلة في "المصرف المركزي"، مذكرة تفاهم مع اليابان، من أجل تبادل المعلومات والخبرات ووجهات النظر في ما بينهما في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم، ومن أجل تنسيق الجهود بين الطرفين في مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب والجرائم الاقتصادية والمالية ذات الصلة، بما يساعد الطرفين على الاستفادة مما توصّل إليه الطرف الآخر من إنجازات، وتوسيع فرص التوصل إلى أساليب وأدوات جديدة تمكنهما من المزيد من التضييق على تلك الممارسات الضارة. ــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.