توفي مواطن سعودي في الستين من عمره، وتعرض مواطن قطري بعد زيارة قصيرة للسعودية، لالتهاب رئوي حاد تطلب نقله بالإسعاف الجوي إلى العاصمة البريطانية حيث يعالج حالياً في قسم العناية المركزة، من جراء إصابتهم بنوع جديد من الفيروسات ينتمي لنفس عائلة فيروس "السارس" الشهير، الذي انتشر عام 2003 في 30 دولة حول العالم وتسبب في وفاة حوالي 800 شخص حينها. وقد تسببت هاتان الحالتان الجديدتان في إثارة القلق والمخاوف لدى كثيرين من أن يكون العالم على شفا وباء مماثل. وإن كانت هذه المخاوف قد بددها علماء الفيروسات في عدد من المراكز المتخصصة حول العالم، مثل "بيتر أوبنشاو" (Peter Openshaw) مدير مركز الأمراض التنفسية المعدية (Center for Respiratory Infection) الموجود في "إمبريال كولج لندن"، الذي صرح لوكالة رويترز للأنباء بأن الفيروس الجديد يبدو عند هذه المرحلة أنه لن يصبح مصدر تهديد خطير، وأنه قد تم التعرف عليه وعزله فقط نتيجة أساليب الفحص الحديثة وبالغة التعقيد. وفي الوقت نفسه عبر البروفيسور "جون أوكسفورد" (John Oxford)، خبير الفيروسات بكلية طب "كوين ماري" التابعة لجامعة لندن، عن ارتياحه، بناء على أن فيروس السارس كان سريعاً في الانتقال والتسبب في عدوى أفراد الطاقم الطبي في المستشفيات، وغيرهم ممن كانوا على اتصال بالمرضى، إلا أن الفيروس الجديد لا يبدو أنه يتمتع بنفس الخواص، وغير قادر على التسبب في وباء بشكل سريع ومفاجئ. وحتى منظمة الصحة العالمية التي تراقب الوضع حالياً عن كثب، وعلى اتصال مباشر ومستمر مع الجهات الصحية المحلية، لم تصدر أية تحذيرات تتعلق بالسفر في المنطقة حتى الآن. وينتمي الفيروس الجديد إلى عائلة "الكورونا- فيرس" (Coronavirus)، التي تصيب غالباً المجاري التنفسية والجهاز الهضمي، في الثدييات والطيور، كما تصيب أربعة أو خمسة من أفراد هذه العائلة، الإنسان. وأشهرها ربما كان فيروس السارس، أو فيروس المنظومة التنفسية الحادة الشديدة، الذي يتمتع بخصائص مرَضية مميزة، كونه قادراً على عدوى المجاري التنفسية العلوية والسفلية معاً، بالإضافة إلى تسببه في نزلة معوية. ويعتقد أن فيروسات "الكورونا- فيرس" مسؤولة عن نسبة مهمة وكبيرة من نزلات البرد الشائع، وخصوصاً في فصل الشتاء وبداية فصل الربيع. وليس من الممكن حالياً تقييم أهمية أو مدى التأثير الاقتصادي لنزلات البرد الناتجة عن "الكورونا-فيرس"، بسبب صعوبة عزلها وزراعتها في المختبرات، على عكس عائلة الفيروسات الأخرى "الرينو- فيرس" المسؤولة عن بقية حالات البرد الشائع. وجدير بالذكر أن البرد الشائع يختلف من المنظور الطبي عن الإنفلونزا، التي على رغم تشابه أعراضها وعلاماتها، تتسبب فيها عائلة مختلفة تماماً من الفيروسات. والفيروسات بمختلف عائلاتها وأنواعها، هي عبارة عن كائنات بسيطة جداً، بل يمكن القول إنها كائنات متناهية في البساطة والتركيب، فهي لا تزيد على كونها جزءاً صغيراً جداً من الحمض الأميني النووي، المغلف بغطاء من البروتين. وينظر البعض للفيروسات على أنها مرحلة بين الجماد والحياة، بسبب عجزها عن التكاثر أو القيام بالعمليات الحيوية الأساسية مثل توليد وتخزين الطاقة، دون الاعتماد على معيل "بكتيريا أو خلية" للقيام بكل ذلك. فالفيروسات خارج عائلها لا تتنفس، ولا تشرب، ولا تأكل، ولا تتحرك، ولا تتكاثر، مثلها في ذلك مثل الجماد. ولكن عندما تدخل الفيروسات إلى داخل الخلية، فسرعان ما تدب فيها الحياة وتبدأ في السيطرة على الخلية لتستمد منها الطاقة ولتستخدمها في التكاثر والتوالد. وإذا ما خرج الفيروس مرة أخرى خارج الخلية، فسرعان ما يتوقف تماماً عن التكاثر وعن الحياة بجميع مظاهرها! وتتسبب الفيروسات في بعض من أهم وأخطر الأمراض المعدية، مثل فيروس الإيدز، الذي تسبب حتى الآن في أكثر من 30 مليون وفاة منذ ظهوره، وفيروسات التهابات الكبد التي تتسبب في وفاة مليون شخص سنوياً، بينما يعاني 500 مليون آخرين من أعراض مزمنة بسبب تواجد الفيروس الدائم في جسدهم، ومن التهاب أكبادهم بشكل مزمن، وفيروس الإنفلونزا الذي يتسبب في أوبئة موسمية تصيب ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص، وتنتج عنها ما بين 250 و 500 ألف وفاة سنوياً، وفيروس الحصبة الذي يصيب حوالي 45 مليون شخص سنوياً، يلقى 800 ألف منهم حتفهم، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2000. ويظل الخطر الأكبر من الفيروسات متمثلاً في قدرتها على التغير والتطور، من خلال طفرات جينية في المادة الوراثية، أو من خلال القفز من الحيوانات إلى الإنسان، مثل فيروس إنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، وفيروس الإيبولا، أو فيروس "الكورونا- فيرس" الذي تم اكتشافه الأسبوع الماضي. وحتى الفيروسات المعروفة والقديمة، يمكنها من خلال تغيير شكلها أو تركيبها، أو مادتها الوراثية أن تخدع جهاز المناعة وتتمكن من غزو الجسم، أو أن تجعل التطعيمات السابقة عديمة الفائدة والجدوى، أمام هذه الأصناف والأنواع الجديدة، وهو السبب في احتياج معه البعض مثل الأطفال وكبار السن والمرضى، إلى تطعيم جديد سنوياً ضد نوع فيروس الإنفلونزا المنتشر حينها.