لم تكد تخبو زوبعة الفيلم المسيء الذي أنتجه الحاقدون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أميركا، أو تهدأ ردّات الفعل التي كان بعضها مسيئاً أيضاً لصورتنا كمسلمين مثل القتل وتخريب الممتلكات والاعتداء على السفارات، حتى برز حاقدون آخرون لا يقلّون وضاعة وسخفاً عن سابقيهم عندما قاموا بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة هي الأخرى في حق رسولنا الكريم. وقد أشارت تقارير إلى أن المجلة الفرنسية المغمورة التي قامت بنشر تلك الرسوم بعد الفيلم المسيء تعاني أصلاً من مشاكل مالية وهي على وشك الإفلاس، فلاشك أن القائمين عليها رأوا أن نشر الصور سيدرّ عليهم دخلاً جيداً وشهرة عالمية عندما يتصدّرون نشرات الأخبار والعناوين الرئيسية للصحف متذرعين بمبدأ حرية التعبير المزعومة عندهم. ويبدو أن مثل هذه الحماقات تستهوي آخرين لديهم نفس المنطق المعوج حيث قررت مجلة ألمانية أيضاً نشر رسوم مسيئة. فتصدر المشهد الحاقدون بأفلامهم ورسوماتهم المشينة، وبعض الآيسين والغوغاء من أنصار العنف والتحطيم... ويأتي بعض الإعلام العالمي الخبيث ليُذكي النار ويزيدها اشتعالاً، فينقل "كُفر الكافر" بكل استهتار، ثم يُركز عدساته على ثُلّةٍ من الهمج العنيفين من عندنا، وينقل بشغَفٍ بالغ لقطات الاعتداء والتحطيم والتصريحات بالقتل وهدر الدم والتهديد بحرق السفارات ومقرات الصحف التي نشرت الرسوم المسيئة، وكأنهم يقولون للعالم هكذا هم المسلمون عندما يدافعون عن قضاياهم! وما بين تذرع الحاقدين المسيئين للرموز الإسلامية بمبدأ حرية التعبير وردّات الفعل الغاضبة وغير المسؤولة من بعض المسلمين يغيب صوت الأغلبية العاقلة في الجانبين، لأن الإعلام لا يركز إلا على الإثارة والأعلى صوتاً هو الأحظى بالرصد وإن كان صوته نشازاً قبيحاً. هذا على رغم أن العديد من علماء الدين والمفكرين والكتاب شددوا على ضرورة تجاهل مثل هذه الاستفزازات الموجهة ضدنا نحن المسلمين، وعدم الانجرار نحو ردود الأفعال غير المحسوبة، وتجاهلها حتى لا نساهم في إشهار المسيئين والترويج لاستفزازاتهم. هناك من يريد أن يعيد إلى الواجهة نظرية صِدام الحضارات وإشعال نار العداوة والشقاق بين العالمين الإسلامي والغرب المسيحي، لخدمة أيديولوجيات وأحزاب يمينية متطرفة غارقة في "الإسلاموفوبيا"، أخذت تنشط فكرياً وسياسياً في الغرب وتهدف إلى إنهاء الوجود الإسلامي في الدول الغربية. وقد اتخذت هذه الأحزاب من ردود الأفعال المسيئة مادة دسمة لبث الكراهية والعنصرية ضد الجاليات المسلمة في الغرب، وللتضييق على حرياتها الدينية. لقد أظهرت الأزمة الأخيرة، وأزماتنا المتلاحقة، أننا نخسر دائماً لعبة الإعلام في صراعنا مع الغرب سواء كان صراعاً عسكرياً أو سجالاً فكرياً أو اختلافاً في الثقافات. ليس فقط لأن إعلامهم قوي ومسيطر ومنحاز ضدنا في غالب الأوقات، ولكننا أيضاً لا نتقن استخدام أدواتنا الإعلامية وكيفية توجيهها بشكل فعّال ومؤثر، أو استخدام وسائل الضغط الدبلوماسي وحشد الجهود القانونية لاستصدار قوانين وقرارات تصب في صالح قضايانا. وأمامنا مثال نعرفه جيداً ولم نفكر في الاقتداء به، وهو نجاح اليهود في استصدار قوانين وتشريعات في عدة دول كبرى تجرّم إنكار المحرقة اليهودية التي أقامها هتلر ضد اليهود. أوليس حريّاً بنا نحن المسلمين أن نشحذ جهودنا أيضاً لاستصدار قانون يجرم التعدي على أديان ومعتقدات الآخرين؟