من الصفات التي ترتبط بها مدينتا دمشق وحلب السوريتان أن الأولى تسمى دمشق الفيحاء والثانية يُقال لها حلب الشهباء، والفيحاء هي المكان الواسع الفسيح، ويقال إن أصلها جاء من "دَمْشق" بالعربية ومعناها أسرع وقد سميت بذلك لأن أهلها بنوها على عجل، وهناك تفاسير رومانية بأنها اشتقت اسمها من "داماسكس" التي تعني المسك، وقيل إنها نسبت للقائد اليوناني "دامس" الذي بنى المدينة، وهناك تفسير بالآرامية يعيد الكلمة لمعنى آخر هو "دارميسيق"، أي الأرض الوافرة والمياه والمسقية. وربط العرب اسم دمشق بالشام حتى سقوط الأندلس كي يميزوها عن دمشق العرب بغرناطة الأندلسية. ومن أسمائها القديمة جلق وكنانة وغيرها. لكنها ارتبطت حديثاً بكلمة فيحاء: فيقال دمشق الفيحاء، أي الواسعة الفسيحة كما سبق، وهي غير ذلك في عصرنا الحاضر، فهي مدينة مزدحمة كانت تعج بالحياة والحركة والاكتظاظ السكاني، حتى اندلعت فيها ثورة الحرية العام الماضي، فأصبحت أكثر ضيقاً وتزاحماً بسبب المذابح والقصف الجوي والمدفعي لنظامها على دمشق الفيحاء. وتعد دمشق الأقدم بين مدن العالم، التي سكنت ولا تزال منذ عشرات آلاف السنين، لكن الآلاف من سكانها ينزحون اليوم من بعض أحيائها هرباً من غارات طائرات "الميج" ومن صواريخ جراد التي يشنها الجيش العربي السوري على عاصمته. وتأتي حلب الشهباء كثاني أكبر المدن السورية ومنافسة دمشق في الريادة التاريخية والاقتصادية والسياسية، بل وحتى في فنون الطبخ والأطباق السورية، فالحلبيون يعتزون بمطبخهم وذوقهم في الطبخ والأكل، ويهزأون مما يعتبرونه محاولات أهل دمشق لتقليد أطباقهم. وفي تفسير ديني لغوي، يقال إن اسم حلب جاء من الحلب حيث كان يحلب النبي إبراهيم الخليل أغنامه ويوزع حليبها على الفقراء والمحتاجين، لكني أميل إلى أن أصل الكلمة من "حَلْبا" الآرامية التي تعني الأرض البيضاء لما تميزت به تربتها من بياض وأحجار الكلس البيضاء. أما سبب تسميتها بالشهباء، فينسبه أهل التأريخ الديني لاسم بقرة النبي إبراهيم، لكن الأرجح أن العرب أضافوا الاسم ليعني حلب البيضاء، فالأشهب أكثر بياضاً وشيباً بالرأس من الأشيب مثلاً، والأشهب هو ما صبغه الشيب بكثرة تجاوز فيها بقايا الشعر الأسود. قرأت في تاريخ المدينتين العربيتين اللتين تتعرضان لتدمير ممنهج ونحن والعالم يتفرج: طيران ومدفعية وقتل وشبيحة! تحولت مدينتا حمص وحماه قبل ذلك إلى خرائب ولا تزالان تنزان بالحياة والأمل. أحد منكم يعرف زعيماً قصف شعبه بالطيران غير صدام والقذافي وبشار والبشير؟ حتى ميلوسوفيتش على كثرة جرائم حربه، قصف البوسنيين والكروات والكوسوفيين، ولم يقصف الصرب. مدينتان عريقتان عربيتان تتعرضان للدمار في رابعة النهار، أصبح المتابع يعرف ضواحي دمشق وحلب لكثرة تردد أسمائها بنشرات الأخبار الدامية، وليس بسبب زيارتها والاستمتاع بجوها وأنعامها وطيب وكرم أهلها. نتابع أخبار هاتين المدينتين المنكوبتين والأخضر الإبراهيمي يلتقي من يقوم بتدميرهما بكل قوة وعنف وحقد نادر. لا أدري لماذا قابل الإبراهيمي بشار! ترى! ماذا عساه قال له في حق ما يقوم به؟ المعلومات تؤكد أن بشار يشترط مسبقاً عدم طرح أو مناقشة مسألة تنحيه أو تخليه عن السلطة، كي "يتكرم" ويوافق على لقاء الإبراهيمي، وهو ما وافق عليه! بزيارته لمخيم لاجئين سوريين بتركيا، سمع الإبراهيمي خلاصة المسألة وبالسوري الفصيح: لشو رايح عالشام؟ فبلا تنحي الأسد، لن تنفرج الأزمة وهذا هو المدخل لنهاية النكبة السورية. لست واهماً بأن رحيل الأسد سيتبعه الخير والديمقراطية والاستقرار مباشرة، لكن لا أمل لسوريا ومستقبلها ببقاء بشار الأسد: نقطة، أول السطر!