العلاقات بين الهند وباكستان صعبة ومعقدة في أحسن الأحوال. وسنوات من الحرب تعني أن حل نزاعات رئيسية مثل كشمير، التي كانت في صلب العلاقات المتوترة بين البلدين على مدى ستة عقود، يظل صعب المنال، بطبيعة الحال. ولذلك، فإنه لم يتم تسجيل أي تقدم مهم إلى الأمام بخصوص مواضيع خلافية رئيسية خلال السنوات الأخيرة، وذلك على رغم الجهود الحثيثة لعدد من رؤساء وزراء الهند ورؤساء باكستان. ولكن، نظراً لتاريخ البلدين، فإن أي خطوة، حتى لو كانت محدودة، إذا اتخذت في الاتجاه الصحيح، يمكن أن تكون مهمة في تحسين العلاقات. وضمن هذا الإطار، تندرج الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الهندي كريشنا إلى باكستان الأسبوع الماضي، وهي زيارة قام خلالها البلدان بتحديث قوانين التأشيرة التضييقية التي تعود إلى 38 عاماً خلت. ومن المنتظر أن تسهِّل القوانين الجديدة على كل واحد من شعبي البلدين السفر إلى البلد الآخر، حيث تسمح القوانين التي أُدخلت مؤخراً بفئتي التأشيرة الجماعية وتأشيرة رجال الأعمال. وقد تم إدخال تأشيرات السياحة الجماعية لمجموعات من 10 أشخاص إلى 50 شخصاً لأول مرة بينما سيُمنح المسافرون من التجار ورجال الأعمال تأشيرات دخول متعدد لمدة عام، كما يستطيعون السفر من خمس إلى عشر مدن في بلدهم بدلاً من ثلاث مدن. وقد كان من المفترض أن يتم توقيع هذه الاتفاقية في مايو من هذا العام، إلا أن القيادة الباكستانية طلبت بعض الوقت من أجل مزيد من البحث والمشاورات. ومما لاشك فيه أن هذه خطوة صغيرة جداً، ولكن، كما سبقت الإشارة، عندما يتعلق الأمر بالهند وباكستان فإنها تشكل عناوين الأخبار لأنها ستجعل من السهل على العائلات التي انفصلت عن بعضها بعضاً خلال تقسيم الهند في 1947 السفر إلى البلد الآخر. كما أنها خطوة جيدة بالنسبة لرجال الأعمال في البلدين، ولاسيما على الجانب الباكستاني، الذين يرغبون في اغتنام الفرص الاقتصادية في الهند. ثم إن أهمية تشجيع التواصل والتبادل بين الشعبين معروفة ولا تخفى على أحد، ولاسيما بالنظر إلى حجم انعدام الثقة الموجود بين البلدين. وخلال زيارة كريشنا إلى باكستان، لوحظ أنها تتوق إلى قيام رئيس الوزراء الهندي بزيارة إليها. ذلك أن وزيرة الخارجية الباكستانية حنا رباني لم تسع فقط إلى انتزاع وعد من كريشنا بشأن زيارة قريبة لرئيس الوزراء مانموهان سينج إلى باكستان، ولكنها قامت أيضاً ببسط السجاد الأحمر ترحيباً بالوزير الهندي خلال هذه الزيارة. ومن المعلوم أن أكثر من يدفع بالعلاقات الحالية بين البلدين هو الرئيس الباكستاني الحالي آصف علي زرداري. فعلى رغم أنه يتعرض للضغوط في بلده من جهات مختلفة، بما في ذلك المحكمة العليا الباكستانية، إلا أنه حريص على تحسين العلاقات مع الهند. كما أن ذلك يأتي في وقت تعرف فيه علاقات باكستان مع الولايات المتحدة لحظات صعود وهبوط. وبالتالي، فمن شأن زيارة لرئيس الوزراء مانموهان سينج إلى باكستان أن ينظر إليها باعتبارها إنجازاً لآصف زرداري الذي يتعرض لانتقادات في مجالات أخرى. غير أنه بالنسبة للهند ما زالت هناك بعض الاعتبارات الأخرى والأمور التي لم تحسم بعد. ومن ذلك على سبيل المثال موضوع المنظمات المتشددة التي تستهدف الهند بشكل دوري عبر الحدود بين البلدين. وإذا كانت المحكمة العليا الهندية قد أيدت في 29 أغسطس الماضي عقوبة الإعدام في حق محمد أجمل قصاب، وهو المسلح الوحيد الذي ظل على قيد الحياة بعد هجمات مومباي، فإن محاكمة تجري حالياً في باكستان ويُتهم فيها سبعة متهمين باكستانيين بالمشاركة في هجمات مومباي، من بينهم قائد "عسكر طيبة" ذكي الرحمن لكهاوي، ما زالت تواجه تأخيرات متكررة. وعلى رغم أن ثمة حالة من الشك بخصوص ما إن كان رئيس الوزراء الهندي سيسافر إلى باكستان، إلا أن تحرك الحكومة الباكستانية ضد المنظمات المتشددة سيؤخذ في عين الاعتبار كعامل مهم بدون شك. يشار في هذا السياق إلى أن "سينج" يتعرض لضغوط في الداخل حتى لا يُظهر تحركاً إلا إذا أظهرت باكستان بعض التحرك على صعيد هجمات مومباي. ولذلك، فإن من شأن قيامه بزيارة لباكستان بدون التوفر على شيء قد يعرِّضه لانتقادات شديدة من كل تلك المجموعات التي ما زالت متشككة بشأن جدوى تحسين العلاقات مع باكستان، علماً بأن "سينج"، يتعرض أصلاً لانتقادات داخلية على عدد من الجبهات، من موضوع الحكامة الجيدة إلى فضائح الفساد. ولذلك، فإنه ربما لا يرغب في فتح جبهة جديدة للانتقادات. ومما لاشك فيه أن الهند وباكستان تتقاسمان علاقة غير مريحة، غير أن البلدين حاولا خلال الآونة الأخيرة التقدم إلى الأمام في مجالي التجارة والاقتصاد. وقد شملت الجهود الرامية إلى تحسين العلاقات عبر التعاون الاقتصادي منح باكستان الهند وضع دولة مفضلة، هذا في حين قامت هذه الأخيرة من جانبها برفع حظر على الاستثمارات المباشرة الأجنبية من باكستان. وعلاوة على ذلك، فإن الهند دخلت حالياً أيضاً في مفاوضات مع باكستان حول تصدير الكهرباء، إلى جانب فتح مزيد من نقاط التجارة على الحدود بينهما. إن البلدين يتقاسمان علاقة معقدة يتأثر فيها كل شيء بالتاريخ وحيث ما زالت ذكريات الحروب الثلاث التي خاضها البلدان قوية وحاضرة في الأذهان. غير أنه من المهم أن يغتنم البلدان اللحظة وينسيا ترسبات الماضي من أجل التقدم إلى الأمام. ولعل الطريقة الوحيدة للقيام بذلك تتمثل في السير بخطوات تدريجية وعبر مجالي التجارة والتعاون.