أمر مذهل كيف أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية بزعامة نتنياهو، مصممة على خسارة ما تبقى من دعم دولي قليل لإسرائيل في العالم، مع استمرار عدم رضى قطاع مهم من المجتمع الإسرائيلي. فالغطرسة الإسرائيلية ومنطق اليمين المتطرف الذي يعميه الاستعلاءُ والعظمةُ، بات جزءاً من الثقافة الكولونيالية الإسرائيلية التي تسبب الغثيان للكثيرين في الغرب والشرق، بحيث أصبح هذا الواقع يحكم كل السجلات والمعايير حتى معايير المؤسسة الإسرائيلية ذاتها، وإلى درجة أنها باتت تعتقد أن احتلال الكونجرس الأميركي، مثلما هو الحال في احتلال الضفة الغربية، احتلال خالد مخلد. المسؤولون الإسرائيليون الذين قنعوا بأسطورة أن إسرائيل قوة عالمية، وأن في مصلحة جميع دول العالم الاستماع إليها وإلا واجهت غضبها، أصابتهم الغطرسة بمجموعة أمراض نفسية، الأدلة عليها كثيرة، وليس آخرها اتهام إسرائيل لجنوب أفريقيا بالتصرف كدولة عنصرية عندما طلبت الأخيرة وضع علامات على السلع التي صنعها "مستوطنون" في مستعمرات الضفة تفيد بأنها صنعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لأن "المستوطنات"، وفقاً لمحكمة العدل الدولية والقانون الدولي، غير شرعية. وكان "داني أيالون"، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، قد قال رداً على خطوة مقاطعة بضائع المستعمرات (المستوطنات): "للأسف يبدو أن جنوب أفريقيا ما زالت دولة تمييز عنصري، ففي اللحظة الحالية توجه جنوب أفريقيا سياسة الفصل العنصري الخاصة بها نحو إسرائيل! وقبل نحو أربعة أشهر أيضاً، أسهب نتنياهو، خلال مقابلتين مع صحيفتي "إسرائيل اليوم" و"معاريف"، في الثناء على نفسه وحكومته بعد ثلاثة أعوام من الحكم. فهو مرتاح إلى وضع حكومته الداخلي وإلى ازدهار إسرائيل الاقتصادي ومكانتها الأمنية الإقليمية والدولية رغم التحديات والمخاطر، معتبراً أن من بين أسباب فشل التسوية عدم إقرار العرب بوجود إسرائيل ومؤكداً: "نحن لا يمكننا تجاهل حقيقة أن المنطقة، من جبل طارق حتى حدود الهند وإيران تقريباً، تغرق في موجة تطرف إسلامي". غير أن نتنياهو تجاهل كل الصعاب التي تواجهها إسرائيل. وقد أظهر آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "هآرتس" تراجعاً كبيراً في شعبية نتنياهو على خلفية سياسته الاقتصادية وفرض المزيد من الضرائب، حيث أعرب أكثر من 60 في المئة من الإسرائيليين عن عدم رضاهم تجاه السياسة الاقتصادية لرئيس الحكومة. وقالت الصحيفة إن "نتائج الاستطلاع تكشف الروح المعنوية السلبية السائدة في أوساط الإسرائيليين في ضوء الخطوات الاقتصادية الأخيرة لحكومة نتنياهو والتي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة ورفع الضرائب، ما يزيد من الأعباء المفروضة على أبناء الطبقة الوسطى الإسرائيلية". وفي سياق ربط السياسة بالاقتصاد، أعرب رئيس الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي (هانس سفوبودا) عن قناعته بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تطلق أية مبادرة جدية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وطالب "سفوبودا" دول الاتحاد الأوروبي، بالتصدي لبناء المستعمرات (المستوطنات) في الأراضي الفلسطينية وتجميد المساعي الرامية إلى رفع مستوى العلاقات الأوروبية مع إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو الحالية. وقال: "في أعقاب لقاءاتي مع ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية والمعارضة وخبراء عسكريين، أشعر بالقلق لرؤية أن الحكومة الحالية ليس لديها رغبة في بدء مبادرات سلام جادة"، وأضاف المسؤول الأوروبي: "نتنياهو يفشل في عملية السلام وفي التحديات الاجتماعية الداخلية". ومن مظاهر الخسارة الإسرائيلية جراء السياسات والسلوكات الغطرسة، نتائج استطلاع للرأي أظهر مؤخراً تراجع مساندة النرويجيين لسياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الصراع مع الفلسطينيين في الوقت الذي تضاعفت فيه ثلاث مرات معدلات تأييدهم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. فقد ذكر استطلاع للرأي نظمه مركز "الهولوكوست لمعاداة السامية" في النرويج أن "نسبة 37 في المئة من الأشخاص الذين تم استجوابهم أكدوا بدرجات مختلفة من التأييد للدولة الصهيونية (تراوحت بين الاحتفاظ ببعض التأييد وصولاً إلى التأييد المطلق مروراً بتأييد محدود) في الوقت الذي لم تتخط فيه نسبة المؤيدين لسياسة إسرائيل 13 في المئة، وذلك في درجاتها الثلاث". كذلك، ظهرت الغطرسة الإسرائيلية في التعامل مع قصة النائبة الفلسطينية في الكنيست الإسرائيلية (حنان زعبي) بعد مقابلتها مع الصحيفة الإيرلندية الرئيسية "إيريش تايمز"، حيث ردت السفارة الإسرائيلية بنشر رد تحريضي ضد زعبي بعدما فضحت الأخيرة السياسة الإسرائيلية وكشفت جانباً من جرائم الاحتلال، شارحة نضال الفلسطينيين في فلسطين 48 من أجل الديمقراطية والعدالة. فقد قارنت السفارة الإسرائيلية شرعية يهودية الدولة بشرعية فرنسية الدولة الفرنسية، معتبرة أن "اليهودية تصلح لكي تكون مطابقة للجنسية الإسرائيلية وللقومية الإسرائيلية"، وهذا ما أكدت زعبي على أنه "دليل ليس فقط على العنصرية بل أيضاً على عمى العنصرية" التي لا ترى أن "الديانة اليهودية" تنطبق على قسم من السكان، بينما الفرنسية هي صفة ومكانة تصلح لكل المواطنين الفرنسيين، ما يؤكد التعريف العنصري للدولة الصهيونية. من جهتها، أكدت صحيفة "هآرتس" أن هجوم السفارة الإيرلندية على زعبي سببَ إرباكاً لوزارة الخارجية، جعلها تنكب على بلورة "مرشد إعلامي جديد" يتضمن تعليمات مفصلة للدبلوماسيين تحت عناوين "افعل... لا تفعل"! كما تجلت الغطرسة الإسرائيلية بوضوح في قضية تبرئة "المحكمة" الإسرائيلية قتلة الناشطة الأميركية "راشيل كوري" التي سحقتها جرافة عسكرية في قطاع غزة عام 2003، الأمر الذي جعل مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة (ريتشارد فولك)، يصف القرار بأنه "انتصار للإفلات من العقاب"، مضيفاً القول: "إنها نتيجة محزنة لأسرة كوري قبل كل شيء ولسيادة القانون، وللأمل في أن تضع محكمة إسرائيلية حدوداً لعنف الدولة، لاسيما في أرض محتلة". تثبت إسرائيل كل يوم، سواء من خلال سياساتها الخارجية أو الداخلية، بأنها دولة متغطرسة لا تلتزم لا بالقوانين والاتفاقات الدولية ولا بميثاق الأمم المتحدة. لذا، لم يعد أمراً غريباً اقتراف الدولة الصهيونية جرائمها دون النظر إلى العواقب، ذلك أنها أصبحت دولة لا تفهم ما ينشده عالم اليوم. وفي ظل مناخ دولي مؤات كما هو الحال اليوم، وفي ظل الابتعاد عن خيارات أخرى ضرورية، ولو أنها أكثر راديكالية، يتوجب على السلطة الفلسطينية أن تتحرك اليوم قبل الغد، نحو الأمم المتحدة للحصول على عضوية "دولة"، ولو غير مكتملة رسمياً، أقلها من أجل أن يصبح بإمكان هذه "الدولة" رفع قضايا جنائية دولية ضد دولة الاحتلال!