في عام 1988 نشر الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي روايته المسماة "آيات شيطانية" المنتمية لتيار الواقعية السحرية، والتي اشتملت على إشارات وأوصاف مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الوقت حظيت الرواية باستقبال جيد من النقاد، واحتلت مكاناً ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية التي تعتبر من ضمن الجوائز الأدبية المحترمة. بيد أن الأمر كان مختلفاً تماماً في دول العالم الإسلامي، وفي أوساط الجاليات الإسلامية في مختلف بقاع العالم، حيث تعرضت الرواية لهجوم شديد، نظراً لما تنطوي عليه من تجديف في حق رسول المسلمين. وبحلول شهر أكتوبر من العام نفسه، حُظرت الرواية في الهند، قبل أن تحذو دول أخرى، مثل بنجلاديش والسودان وجنوب أفريقيا... حذوها بعد ذلك. وبحلول ديسمبر مُنعت الرواية في سيريلانكا أيضاً؛ ومع بداية عام 1989 منعت في كل من كينيا وتايلاند وتنزانيا وإندونيسيا وسنغافورة. ولم يقتصر الأمر على المنع، حيث تعرضت مكتبات كانت تعرض الرواية لهجمات بالقنابل، منها اثنتان في مدينة بيركلي بكاليفورنيا، كما تعرضت مكتبات عديدة في بريطانيا لهجمات على الخلفية ذاتها. لكن التطور الأكثر خطورة في هذا الشأن حدث في الرابع عشر من فبراير من العام نفسه، عندما أصدر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آنذاك، آية الله الخميني، فتوى دينية بإهدار دم سلمان رشدي وناشري الرواية على حد سواء. وأدت الفتوى إلى أزمة واسعة في أنحاء مختلفة من العالم، حيث حظي رشدي بدعم قوي من جماعات ترفع شعار حرية التعبير، في الوقت نفسه الذي أحجم فيه معظم الناشرين والمكتبات عن عرض الرواية، خوفاً من الهجمات المتوقعة. وعلى الرغم من أن رشدي قد نجح منذ ذلك الحين في النجاة من الاغتيال، فإنه لا يزال مهدداً حتى اللحظة الحالية، حيث لم تتراجع السلطات الإيرانية رسمياً عن تلك الفتوى حتى الآن، بل قامت مؤسسة يطلق عليها منظمة "خوردد" في الآونة الأخيرة، بإضافة مبلغ نصف مليون دولار للمبلغ الذي كان الخميني قد خصصه في الأصل لمن يقتل رشدي، وهو2,8 مليون دولار، ليصبح المبلغ المرصود الآن لهذا الغرض3.3 مليون دولار. وفي عام 2005، ولأسباب منها، الاحتجاج على الرقابة الدينية، والهجمات على النقاد الغربيين، طبعت صحيفة دنماركية سلسلة من الرسوم الكرتونية المسيئة للنبي محمد، والمتصفة بطابعها الاستفزازي الحاد. ومرة ثانية اندلعت مظاهرات عبر العالم الإسلامي، قتل فيها حسب أحد التقديرات ما يزيد على 100 شخص، كما استهدفت المصالح الدنماركية في مختلف أنحاء العالم. وحتى اليوم لا يزال بعض الأشخاص المتورطين في نشر تلك الرسوم مهددين بالقتل من قبل جماعات إسلامية متعصبة وإسلاميين متطرفين. هذه هي الخلفية التي يجب أن يُنظر على أساسها لموجة الغضب العارم الأخيرة في العالم الإسلامي، والتي انطلقت عقب وضع مقاطع من فيلم مناوئ للإسلام على موقع يوتيوب يحمل اسم "براءة المسلمين"، وهو فيلم تم إنتاجه خصيصاً لاستفزاز الإسلاميين المتعصبين. وعلى النقيض من رواية سلمان رشدي التي لم يكن الغرض الأساسي من كتابتها مناوءة الإسلام، فإن الفيلم الأخير يحتوي من المشاهد والمحتويات ما يمكن أن يعتبر من قبل معظم الناس مادة استفزازية وغير مرغوبة لحد كبير (على الرغم من حقيقة أن عدداً قليلاً من الناس هم فقط من شاهدوا الفيلم بالفعل). وقد أدى هذا الفيلم إلى قتل السفير الأميركي لدى ليبيا، والذي لقي مصرعه هو وثلاثة من زملائه العاملين في مقر قنصلية الولايات المتحدة في مدينة بنغازي، كما أدى كذلك إلى اقتحام مجمع السفارة الأميركية في العاصمة المصرية القاهرة، وإلى إثارة موجة من المظاهرات وأعمال الشغب ليس فقط في دول إسلامية أخرى، وإنما أيضاً في دول تعيش فيها أقليات إسلامية كبيرة، مثل الهند وأستراليا. وموضوع الفيلم المسيء بات عاملاً من العوامل التي تلعب دوراً في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، وهو ما يتبين على سبيل المثال من الاتهام الذي وجهه المرشح الجمهوري ميت رومني للرئيس أوباما، بأنه كان ليّناً في تعامله مع الراديكاليين الذين هاجموا السفارة. والحقيقة أن الإدارة الأميركية تمشي على خيط دقيق في الوقت الراهن وهي تحاول الموازنة بين اتخاذها لخطوات قد ينتج عنها المزيد من التأجيج للمشاعر الإسلامية، وبين الدفاع عن حرية التعبير التي تعتبر من القيم الراسخة في الدستور الأميركي. وهذا النوع من الموضوعات لن يختفي طالما ظلت هناك جماعات في العالم الإسلامي لديها الرغبة والحرص على استغلال أي إشارة مناوئة للإسلام لتحقيق غاياتها الخاصة. فـ"حزب الله" اللبناني الذي تقلصت شعبيته مؤخراً، وإلى حد كبير، بسبب الموقف الذي اتخذه ضد الثورة السورية، ووقوفه إلى جانب نظام بشار الأسد، استغل هذه الفرصة لشن هجوم على الفيلم المذكور، وللمطالبة بطرد الأميركيين من المنطقة، ومطالبة حكومة الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات رادعة ضد منتجي الفيلم. يحدث كل هذا في الوقت الذي تتعرض فيه قوانين مناوءة التجديف في العديد من الدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص باكستان، إلى انتقادات دولية تزداد شدة على الدوام، سواء من قبل المسلمين المعتدلين أو من العالم الغربي. ويسود قلق كبير حول ما سيحدث عندما تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها في تقليص وجود قواتها في أفغانستان. وإلى أن يصبح الزعماء في العالم الإسلامي مستعدين للإقرار بأنه على الرغم من أن التظاهرات والاحتجاجات المناوئة للتجديف مسموح بها، إلا أنها يجب أن تكون غير عنيفة في كافة الأحوال... وإلى أن يتم توجيه إنذار للأقليات السياسية المتطرفة بأن ما تقوم به من تحريض على السلوك العنيف لن يتم التسامح بشأنه بعد الآن؛ فإن مثل هذا الانفجار الأخير للغضب، سوف يستمر بما يزيد من درجة الصعوبة التي يمكن أن تواجهها حكومات مصر وتونس وليبيا في استرداد العافية الاقتصادية لدولها المأزومة.