ما هي العلاقة بين سياسات التضمين والتهميش وطبيعة النظام السياسي المصري؟ وما هي العوامل الوسيطة التي تؤثر في طبيعة هذه السياسات، ومن ثم في علاقة الدولة بالمجتمع في مصر؟ في كتابها "الأقباط ومطالبهم في مصر بين التضمين والاستبعاد" (يقع في 495 صفحة)، تلقي الدكتورة مي مجيب الضوء على سياسات التضمين والاستبعاد خلال الفترة بين عامي 1991 و2008، وذلك بالتطبيق على حالة أقباط مصر، ودرس مطالبهم، والرؤى المختلفة حول طبيعة هذه المطالب، وموقف الدولة المصرية منها، سواء لجهة التضمين أو جهة الاستبعاد. وفي تعريفها بالأقباط، تذكر المؤلفة أن هذا المصطلح يشير إلى المصريين جميعاً، وإن كانت كلمة قبطي تعود إلى ما قبل ظهور المسيحية، إلا أنها ظلت مستخدمة خلال الفتح الإسلامي للدلالة على أهل مصر الذين كانوا على الدين المسيحي، ثم اقتصرت على من لم يدخل الإسلام منهم وظل على مسيحيته. ويضم الأقباط حالياً الطوائف المسيحية الرئيسية الثلاث، الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت؛ لكن الكتاب يركز على الأرثوذكس لكونهم الطائفة المسيحية الرئيسية في مصر من حيث القِدم والانتشار؛ إذ جاءت إلى مصر على يد القديس مرقس الرسول البطريركي الأول. وفيما يخص العلاقة بين الدولة والمجتمع، فهي تمثل -كما ترى المؤلفة- مفتاحاً رئيسياً لفهم طبيعة البنية الداخلية لأي نظام سياسي، لذلك ظلت حالة عدم التوازن بين الدولة والمجتمع معضلة كبرى للتطور السياسي والاجتماعي في مصر، حيث اتجهت بعض قوى المجتمع إلى تعزيز أدوارها وتأمين مصالحها بعيداً عن الدولة، الأمر الذي أدى إلى تنامي الانتماءات الضيقة، لاسيما أن الدين في مصر يؤدي دوراً كبيراً في مجال القيم والأخلاقيات المجتمعية، فباتت الكنيسة بفضل قدرتها على تلبية المتطلبات الاقتصادية والرعائية، تلعب دوراً روحياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً في حياة الأقباط. هذا إضافة إلى عوامل أخرى أسهمت في تبلور الهوية القبطية؛ منها القيادة الكاريزمية للبابا شنودة، ونجاحه في إحياء التراث القبطي، وإنعاش الدراسات القبطية، ودور الاستشراق الذي أسهم في دفع الأقباط نحو النظر إلى أنفسهم كعرق أساسي للمصريين، وانتشار الإعلام القبطي... ما عمق الشعور بالخصوصية القبطية. وقبل هذا وبعده دور الدولة في إطار السعي لإحكام قبضتها على المؤسسات الشعبية، حيث حولت الأقباط إلى طائفة، وجعلت الكنيسة الأداة المؤسسية لهذه الطائفة، مختزلةً إياها في شخص البابا. وفيما يخص "مطالب الأقباط"، كما يعرضها الكتاب، فهي سياسية واجتماعية ومؤسسية، وتشمل تحقيق المساواة في وسائل الإعلام، وإذاعة القداس يوم الأحد من كل أسبوع، وإنهاء العمل بلائحة 1938، والعمل بلائحة 1981 المتعلقة بالأحوال الشخصية لغير المسلمين، وتضمين تاريخ الحقبة القبطية في مناهج التعليم، وحذف خانة الديانة من بطاقة الهوية الشخصية، ومنع أي تمييز على أساس ديني، وتفعيل المشاركة القبطية في العمل العام، وإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. هذا علاوة على المطالبة بإعادة الأوقاف القبطية، والإسراع في إصدار القانون الموحد لدور العبادة. وفي معرض التحليل والإجابة، سجّلت المؤلفة بروز الحيرة بين إلقاء اللوم على الدولة، بسبب محورية دورها وعدم القدرة على الوفاء بـ"مطالب الأقباط"، وإلقائه على المجتمع الذي هو جزء من الأزمة؛ لأنه مضطرب اجتماعياً وقيمياً، ويحوي في بنيته بذور التفرقة، كما أنه جزء من الحل؛ لأن الدولة تأتي في سياق مجتمعي لا فكاك لها منه. وهي ترى أن "الأقباط" أقلية بمعيار الدين، لكنهم ليسوا أقلية في المجتمع من منظور التعامل الأهلي بين أفراده، أو من منظور الاستبعاد. وهو ما يتطلب من الدولة التعامل مع "مطالب الأقباط" وفق منظور وطني سياسي يحول دون التعاطي معها من منظور طائفي، وإلا تكونت وتفجرت مشكلات كثيرة. وكما يتضح من المجال الزمني لموضوع الدراسة، فإن الكتاب يعالج المطالب والمخاوف القبطية في مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير، وما أعقبها من صعود جماعة "الإخوان المسلمين" إلى سدة الحكم، حيث ازدادت مخاوف الأقباط وتعالت أصواتهم مطالبين بضمانات تكرس حقوق المواطنة لأبناء طائفتهم في ظل دولة مدنية قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات. وعلى ما يبدو فإن المخاوف المستجدّة تضاف إلى ما قبلها، من اختلالات بنيوية مزمنة في هيكل الدولة المصرية المعاصرة، وما شاب ويشوب تداخلاتها الاجتماعية والاقتصادية من سمات سلطوية حيال جميع أفراد مجتمعها؛ مسلمين وغير مسلمين! محمد ولد المنى الكتاب: الأقباط ومطالبهم في مصر بين التضمين والاستبعاد المؤلفة: د. مي مجيب عبد المنعم مسعد الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية تاريخ النشر: 2012