تُعد الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من أكبر المخاطر التي تهدد السلام العالمي، وهي أكثر خطراً من الحروب الكلامية المتبادلة بين إيران وإسرائيل بين الحين والآخر. وتمثل هذه الحرب محوراً للتنافس بين السُنة والشيعة وساحة تتعارض فيها المصالح السعودية والإيرانية والقطرية، وتظهر خلالها أيضاً وللاستثمارات الروسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وسوريا وللعداء الأميركي الإسرائيلي المستفحل لسوريا وإيران. وعلى الرغم من أن هذه الحرب خاسرة لكل الأطراف، فإن الأرقام الواردة من "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، تشير إلى موت نحو 27,000 شخص حتى الآن معظمهم من المدنيين. وقامت الحكومة السورية في غضون الأيام القليلة الماضية، بهجمات منظمة ومتلاحقة على أحياء حلب أقدم المدن السورية وأكثرها كثافة سكانية. ولا تملك قوات المعارضة دفاعات فعالة أو مضادة للدمار الذي تلحقه بها القوات الجوية التابعة للنظام. ولا يوجد مبرر لاحتلال هذه القوات للأراضي بعد أن هجرها ساكنوها خوفاً من المزيد من الهجمات الجوية. ويتجاوز عدد سكان حلب حتى قبيل اندلاع هذه الحرب مليوني نسمة معظمهم من السنة ونحو ربع مليون من المسيحيين. وتعتبر "المدينة القديمة" فيها من أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم حيث يعود تاريخها إلى الألفية السادسة قبل الميلاد. كما تعتبر المدينة، واحدة من مواقع "اليونيسكو" التراثية العالمية. وبموجب ما يدور فيها من حرب طاحنة الآن، يهدد البلاد خطر حقيقي بالانهيار والتحول إلى صومال أخرى. وهذا هو التحذير الذي أطلقه نائب وزير الشؤون الخارجية الروسي "ميخائيل بوجدانوف"، خلال زيارة قام بها إلى باريس في الأسبوع الماضي خلال لقائه ببعض أعضاء الجالية السورية ومسؤولين فرنسيين. ويظل الموقف الروسي في ما يتعلق بالاضطرابات والقمع، داعماً لحكومة بشار الأسد ولمؤتمر السلام الذي اقترحه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان على غرار مؤتمر مدينة الطائف السعودية في 1989 الذي نجح في الوصول إلى صيغة وضعت حداً للحرب الأهلية في لبنان آنذاك. ويتكون المؤتمر من ممثلين للنظام السوري والمعارضين، بالإضافة إلى قادة من المسيحيين والدروز وجماعات العلويين والأقليات الأخرى التي تضم الأكراد والأتراك والعراقيين والأرمن، وكذلك الجماعات الخارجية الأخرى الراغبة مثل روسيا وأميركا وفرنسا. وإلى جانب امتلاك روسيا لقاعدة بحرية صغيرة في سوريا، لها أيضاً مصلحة في بقائها نابعة من سنوات الحرب الباردة ومن حقيقة وجود جماعة روسية سورية كبيرة في الوقت الراهن نتجت عن التزاوج بين البحارة والمسؤولين والمقيمين الروس والنساء السوريات. ويقول "بوجدانوف" إن الأسد أكد لموسكو استعداده لترك كرسي الرئاسة في حالة إجراء انتخابات يرفضه فيها أفراد الشعب. لكن ليس هناك تأكيد لهذا الوعد من قبل دمشق، خاصة وأن ذلك يعني لحد ما الرفض الحتمي للأسد في حالة إجراء مثل هذه الانتخابات، التي لا تلوح مؤشرات في الأفق القريب لقيامها. ومع ذلك، يبدو أن هذا العرض هو جزء من الأجندة التي تستعد روسيا لطرحها على طاولة التفاوض في حالة انعقاد المؤتمر المقترح، والذي صادقت عليه كل من "الأمم المتحدة" و"مجلس الأمن". وتعكف الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على مناقشة مشروع قرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يخول التدخل الخارجي كما حدث في ليبيا العام الماضي. ومنذ أنه لم تبد أميركا أو أي دولة أخرى استعدادها لتبني مثل هذا القرار في حالة إجراء التصويت عليه، فليس من المتوقع أن يتم التصويت عليه، لا سيما وأن التدخل العسكري سيزيد الأمور سوءاً. واستأنفت الأمم المتحدة وساطتها من خلال الأخضر الإبراهيمي المسؤول الجزائري السابق، الذي كان في القاهرة حيث انعقد اجتماع في يوم الاثنين الماضي بمشاركة ممثلين من تركيا وإيران ومصر تحت رعاية الرئيس المصري، وذلك بخصوص قضية وقف إطلاق النار في سوريا. وقد زار الإبرهيمي سوريا قبل ثلاثة أيام والتقى الأسد. ومن الضروري فهم الحرب السورية في سياق المنافسة بين السُنة والشيعة، وفي إطار إيران وحليفها "حزب الله" في لبنان ، وعلى ضوء المشهد العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة في الوقت الحالي بفضل بوش الأب وديك تشيني و"المحافظين" الأميركيين الجدد وإسرائيل واللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون الخارجية "الأيباك" وكل من ساهم في غزو وتدمير السنة العراقيين. ومن المؤكد أن هذه الأزمة يصعب على الغرب التدخل فيها، بصرف النظر عن الأفكار التي يتم الترويج لها في دوائر التدخل الفرنسية أو تلك المطروحة إبان حملة انتخابات الرئاسة الأميركية. وينبغي أن يكون حلها داخل إطار الدول العربية، حيث تعتبر مبادرة الرئيس المصري بالإضافة إلى تعيين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للأخضر الإبراهيمي، بوادر إيجابية. كما أن مجرد حقيقة أن هذه الحرب شارفت على الوصول إلى طريق مسدود، مدعاة للاطمئنان، حيث ليست هناك فائدة مرجوة من استمرار سعيرها. ويليام فاف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"