هناك أمر خطير آخر من التجليات السلبية للثورة السورية، من الندبات والجروح الاجتماعية، فلن تبق العلاقة قط بين السني والشيعي والسني والعلوي كما كانت من قبل، بل ستبقى مثقلة بذاكرة تاريخية مؤلمة من القتل والسلب والاغتصاب والكراهية المتبادلة. ليس فقط مع العلويين، بل مع شرائح كثيرة من المجتمع السني نفسه وبعض فقهائه. في عائلتي شخصياً بدأت شروخ ربما تكون نموذجاً لكثير من الشروخ التي عرفتها شرائح المجتمع السوري في هذا التحول الذي ربما لم تشهد سوريا مثيلاً له منذ ألف عام (ضربة الميلينيوم). إنها شروخ وندبات مريعة لن يُشفى منها الشعب السوري بسهولة ويسر؟ هناك أمر خطير آخر في هذا المخاض العسير، هو أن بقية الشعوب العربية تكتشف بمرارة أن ثورة تونس كانت نزهة، وأن ثورة مصر كانت رحلة فسيخ موسمية، وأن تظاهرات اليمن لم تكلف عشر معشار الثورة السورية، أما في ليبيا فأراح "الناتو" الليبيين من المخاض السوري جزئياً. لكن المجنون الليبي ونيرون السوري أوحيا إلى الشعوب العربية بأن باب الثورات دموي جداً جداً ومكلف جداً جداً، وآثارها مؤلمة ومحطمة ومدمرة، وفي ذلك درس لأي شعب على وجه البسيطة. وستكون الآثار أعظم بشاعة لو تمت تسوية الثورة في الكواليس الخفية بين القيصر الروسي والرئيس الأميركي، فيضحيان بالأسد؛ فتفرح الجماهير أنها حققت نصرها، وفي الحقيقة يبقى الجهاز الأمني الأخطبوطي كما هو. دعنا نأمل أن لا تحدث هذه الكارثة فتضيع دماء القتلى بأبخس الأثمان. إنه أمر قد يحدث وقد حدث في التاريخ. تأمل استشهاد مليون جزائري آلت بعدهم الجزائر إلى حكم الجنرالات. تذكر موت ثمانين ألفاً في إيران لتكون ثورة الخميني على رؤوس الإيرانيين. إن الجو النفسي حالياً في سوريا أقرب للجنون، كراهيات فظيعة، تطرف لا يعرف الاعتدال، عداوات متبادلة، بيوت مهدمة، نساء ضحايا الاغتصاب، أغنياء حرب من الشبيحة، جو من عدم الثقة، أصابع أجنبية كثيرة... أجواء لا تبشر بخير. في هذا الجو الجهنمي تنمو طفيليات من أغنياء الحرب بنهب الجار الذي حسده فترة طويلة لجمال بيته وحسن مقتنياته. إنها فرصة الآن لتدمير محتويات المنزل، بل وحرقها ونهب ما ثقل وزنه ورخص ثمنه. انفجار أقبح ما في النفس من غرائز الغابة البدائية، مناظرها الذبح والسلخ بالسكاكين. ومع هذا فالحرب، كما يقول هرقليطس، تحرك المياه. تنقل طبقات للقمة، وتنزل بأخرى إلى مهاوي العبودية؛ فهل سوريا في طريقها كما سلك بنو إسرائيل الطريق مع موسى فعبر البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم؟ أم أنها ستهلك كما هلك الألمان حين مشوا خلف هتلر وهم يهتفون هايل هايل هتلر! فمنهم شقي وسعيد؟ دعنا نتفاءل بالأفضل ونستعد للأسوأ، وهو هذه الشروخ التي بدأت تتراءى في حياة السوريين.