كم تسعدني دائماً العودة بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، وإنني محظوظ جداً -بحكم منصبي كوزير لشؤون الشرق الأوسط- بأن أتيحت لي فرصة زيارة الإمارات عدة مرات. وفي كل مرة أقابَل بدفء وكرم ضيافة الثقافة والتقاليد الإماراتية والروابط المشتركة التي تربط بين بلدينا. هنالك ما يفوق 100 ألف بريطاني يعيشون ويعملون ويدرسون في الإمارات. كما أن آلاف الإماراتيين يزورون المملكة المتحدة للسياحة والدراسة، أو لإقامة علاقات عمل. كانت زيارتي الماضية عشية الاحتفال بالذكرى الأربعين للاتحاد. وكم أثار إعجابي حينها، كما يثير إعجابي الآن، مدى ما حققه هذا البلد المفعم بالحيوية خلال هذه المدة القصيرة. واليوم، وبصحبة نظيري وصديقي معالي د. أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، سنعقد الاجتماع الثامن عشر لفريق العمل البريطاني-الإماراتي، والذي آمل أن يعزز عمق ونطاق العلاقات المتينة بين بلدينا. تأسس فريق العمل هذا عام 2010 أثناء زيارة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للإمارات، وما برحت هذه الشراكة تزداد قوة. وقد وقعنا خلال اجتماعنا الماضي في لندن اتفاقية للتعاون بمجال التنمية الدولية، واليوم نوقع اتفاقية لتعزيز التعاون القضائي والقنصلي. هذا مجرد إنجاز آخر ملموس من بين إنجازات كثيرة تحققت نتيجة الشراكة التي بنيناها. كما سنناقش سبل تنمية التعاون بيننا في المجال العسكري والأمني، والعلاقات التجارية والاستثمارية، والتغير المناخي، والتعاون التنموي، والسياسة الخارجية. الروابط القوية بين بلدينا تشمل المجتمع ككل، وتنطلق من أعلى المستويات. فاستثمارات كل من بلدينا تحقق نمواً في اقتصاد البلد الآخر. ولطالما لقي الرعايا البريطانيون هنا ترحاباً محاطاً بمشاعر الدفء التي تتميز بها الإمارات. وبالمقابل ساعد البريطانيون في الدفع بازدهار الإمارات وشاركوا في مشاريع بارزة، كبرج خليفة ومضمار فورمولا-1 في أبوظبي. كما أن شركات النفط البريطانية "بريتيش بتروليوم" وشِيل تعملان في أبوظبي منذ ما يفوق 70 عاماً. وستصمم شركة آتكينز، وهي واحدة من الشركات الرائدة عالمياً بمجال الاستشارات الهندسية والتصميم، مشروع شمال الوثبة لإسكان حوالي 130 ألف نسمة. وتساعد الشركات البريطانية أيضًا في تطوير شبكة المجاري في أبوظبي وفي بناء مدارس جديدة في العين، ويسعدني أننا نسير وفق الخطوات المرسومة لنرى نمو حجم التجارة المتبادلة بين بلدينا إلى 12 مليار جنيه استرليني (65 مليار درهم إماراتي) بحلول عام 2015. وكذلك فإن للإمارات العربية المتحدة روابط قوية مع المملكة المتحدة، ولها مساهمات كبيرة في المجتمع البريطاني من خلال مشاريع ضخمة كمشروع مصفوفة لندن (لندن آراي) - أكبر مزرعة في العالم لتوليد الطاقة من الرياح البحرية، ومشروع "سكايلاين" الإمارات للعربات المعلقة عبر نهر "التيمز" في لندن. كما أن شركة موانئ دبي العالمية التي تملكها الإمارات باتت على بعد عامين فقط من إنجاز أكبر ميناء في المملكة المتحدة، وهو ميناء لندن غيتواي. وهناك أيضاً بالطبع مدينة مانشستر، فالعلاقات التجارية بين بلدينا غنية ومتنوعة بكل تأكيد. سوف ننتهز أنا ود. قرقاش الفرصة لمناقشة المزيد من التعاون بين المملكة المتحدة والإمارات بشأن الطاقة المتجددة، كما نتطلع قدماً لمفاوضات التغير المناخي التي ستجرى في الأمم المتحدة في شهر نوفمبر المقبل. وهناك تعاون بيننا أيضاً في مجال الطاقة النووية للاستخدام السلمي. وفي عام 2008 وافقت شركة مصدر للطاقة المستقبلية في أبوظبي على العمل مع بريطانيا لتطوير الطاقة المتجددة وتكنولوجيا الانبعاثات الكربونية المنخفضة. ويسعدني أن أحد مسؤولي شركة "مصدر" قد وافق على انتدابه لدى وزارة الطاقة والتغير المناخي في المملكة المتحدة لمدة ثلاثة أشهر. كما سيلتحق مسؤولون إماراتيون بوزارة التنمية الدولية البريطانية في الشهر القادم في سياق برنامج تبادل الخبرات. آمل أن يكون برنامج التبادل هذا الأول من بين الكثير من التبادلات بين حكومتينا. لكن السياسة الخارجية مازالت تحتل أكبر حيز من مجالات التعاون بين بلدينا، حيث أمامنا تحديات في سوريا وإيران وأفعانستان واليمن، وهي تحديات حاضرة دائماً في أذهاننا وبمقدمة اهتماماتنا. ففي العام الماضي قام وزير الخارجية ويليام هيج وسمو الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية بزيارة مشتركة إلى أفغانستان، حيث قوات كلا بلدينا تخدم فيها. وفي ليبيا شارك طيارو بلدينا جنباً إلى جنب في العمليات التي جرت هناك. وتشاركنا الإمارات العربية المتحدة قلقنا بشأن برنامج إيران النووي، ونحن نرحب بتأييدها للمفاوضات التي تجريها مجموعة 5+1 للمساعدة في التوصل لتسوية سلمية لهذه القضية. كما أن عملنا المشترك في عملية أصدقاء اليمن مهم جداً. وفيما يتعلق بسوريا، فإننا نعرب عن امتناننا لالتزام الإمارات، من خلال مجلس التعاون الخليجي، بالمساعدة في التوصل لعملية انتقال سلمي للسلطة. إن الروابط بين بلدينا تنطلق أيضاً من طموحنا المشترك، والذي يبرز أكثر ما يبرز خلال زيارتي هذه بالذات، والتي تتصادف مع لحظات من التأمل والفخر الكبير لكلا بلدينا. ففي المملكة المتحدة مر علينا صيف لا يُنسى: حيث احتفلنا باليوبيل الماسي لجلالة الملكة واستضفنا دورة لندن للألعاب الأولمبية والبارالمبية. وفي الإمارات العربية المتحدة استقبلتم الآن رياضييكم "البارالمبيين" الفائزين بالميداليات لدى عودتهم من لندن، وتشرفون حالياً على نهاية الاحتفالات الخالدة بأربعين عاماً من الإنجازات والتقدم والتنمية. وسوف تسعون، كما سعى البريطانيون، لانتهاز الفرص ومواجهة التحديات في السنوات القادمة. وبينما تعملون على ترسيخ مكانتكم في المنطقة والعالم، وتلبية تطلعات شعبكم، نتمنى لكم كل النجاح ونمد لكم يد الصداقة، حيث يربطنا تاريخ مهم مشترك، لكن مستقبلنا المشترك يفوقه أهمية. أليستر بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية