أعلن صندوق الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بداية هذا الأسبوع، عن تحقيق انخفاض هائل خلال العقدين الماضيين في عدد الأطفال الذين يلقون حتفهم قبل بلوغهم سن الخامسة. ففي عام 1990، لقي 12 مليون طفل حتفهم قبل بلوغهم سن الخامسة، وهو العدد الذي انخفض إلى 6.9 مليون العام الماضي، أو ما يعادل انخفاضاً بنسبة 42.5 بالمئة خلال عشرين عاماً. وعلى صعيد بعض الأمراض، مثل الحصبة، انخفضت الوفيات الناتجة عنها بقدر هائل، حيث كانت تتسبب الحصبة في نصف مليون وفاة عام 2000، لتنخفض الوفيات الناتجة عنها إلى 100 ألف فقط العام الماضي.ولكن في الوقت الذي انخفض فيه إجمالي وفيات الأطفال حول العالم، ارتفعت تلك الوفيات في بعض الدول الأفريقية جنوب الصحراء، مثل تشاد، ومالي، والصومال، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وبأكثر من 10 آلاف وفاة سنوياً في بعضها. وتقع حالياً نصف الوفيات بين من هم دون سن الخامسة في خمس دول، هي: الهند، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو الديموقراطية، وباكستان، والصين. وللأسف، على الرغم من أنه يمكن منع ثلثي الوفيات بين الأطفال، من خلال إجراءات بسيطة منخفضة التكاليف ومثبتة الفعالية، لا يزال قرابة السبعة ملايين طفل يلقون حتفهم سنوياً، حيث يلقى 19 ألف طفل حتفهم يومياً حالياً. وتظهر الدراسات أن سوء التغذية، وعدم توافر مياه شرب نظيفة، وغياب نظم الصرف الصحي، يتسبب في نصف هذه الوفيات، بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه الأسباب من الممكن خفض وقعها بدرجة كبيرة، وإنقاذ الجزء الأكبر من ضحاياها، من خلال التطعيمات الطبية، والمضادات الحيوية، والمكملات الغذائية، والناموسيات المشبعة بمضادات الحشرات، مع تحسين الرعاية الطبية الأسرية، وتشجيع الرضاعة الطبيعية، وتوفير محاليل معالجة الجفاف لحالات الإسهال. وبالإضافة إلى توفير التطعيمات والمضادات، يمكن للتثقيف والتوعية الصحية للأمهات بإجراءات وتدابير بسيطة في الظروف المعيشية، مثل رفع مستوى النظافة، أن يقلل كثيراً من عبء الأمراض المعدية على أطفالهن. ويمكن رد الجزء الأكبر من وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى خمسة أمراض رئيسية، هي: عدوى الجهاز التنفسي، وأمراض الإسهال، والحصبة، والملاريا، وسوء التغذية. السبب الأول والأهم، أو عدوى الجهاز التنفسي يتمثل في شكل التهاب رئوي حاد، ويتسبب في وفاة 1.4 مليون طفل سنوياً، أو ما يعادل 18 بالمئة من مجمل وفيات من هم دون سن الخامسة. وتوجد أسباب عديدة للإصابة بالالتهاب الرئوي، وإن كانت هناك أنواع محددة من البكتيريا تستحوذ على نصيب الأسد من الإصابات والوفيات. ومثلها مثل العديد من الأمراض المعدية الأخرى، تحدث العدوى بالالتهاب الرئوي من خلال طرق متنوعة ومختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن للفيروسات والبكتيريا التي توجد بشكل شائع في أنف أو حلق الطفل، أن تنتقل إلى الرئتين مسببة عدواهما والتهابهما. وتنتقل الميكروبات المسببة لالتهاب الرئتين أيضاً عن طريق الهواء المحمل بالجراثيم، من كحة أو عطاس شخص مريض، وأحياناً ما تنتقل هذه الميكروبات عن طريق الدم. ويتطابق وضع الالتهاب الرئوي الحاد لحد كبير مع وضع أمراض الإسهال، حيث يحتل الإسهال المرتبة الثانية بين أسباب الوفيات في من هم دون سن الخامسة، ولا يتخطاه في هذه القائمة سوى الالتهاب الرئوي، حيث يتسبب الإسهال في وفاة 1.5 مليون طفل سنوياً، 80 في المئة منهم دون عمر السنتين، كما أن الإسهال يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بسوء التغذية بين من هم دون سن الخامسة. وتنتقل الأمراض المعدية المسببة للإسهال عن طريق الطعام الملوث أو مياه الشرب الملوثة، وأحياناً ما تنتقل من شخص إلى آخر كنتيجة لعدم الاحتراز في النظافة الشخصية بشكل جيد. وبالنظر إلى أن حوالي مليار شخص حول العالم يفتقدون مياه الشرب النظيفة، ولا تتوافر البنية التحتية للصرف الصحي لمليارين ونصف المليار شخص أيضاً، يمكننا أن نفهم سبب انتشار الأمراض المعدية المسببة للإسهال بهذا الشكل الواسع. ويعود النجاح الحالي في خفض الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة إلى عدة أسباب، ربما كان أهمها هو أن الدول الأكثر فقراً في العالم، والتي كانت تتحمل العبء الأكبر من وفيات الأطفال، قد زادت ثراء، من خلال زيادة متوسط دخل الفرد، وارتفاع مجمل الناتج الاقتصادي القومي. ويعتبر أيضاً الدور الذي لعبته المساعدات الدولية الإنسانية، سببا رئيسياً خلف هذا الانخفاض، وخصوصاً المساعدات الموجهة للبرامج الطبية، مثل تشجيع الرضاعة الطبيعية، وحملات تطعيم الأطفال ضد الأمراض المعدية. وهو ما يتضح من حقيقة أن الدول التي تلقت قدراً كبيراً من المساعدات، مثل لاوس في جنوب شرق آسيا، وتيمور الشرقية، وليبيريا في غرب القارة الأفريقية، هي التي نجحت في تحقيق أكبر قدر في تخفيض وفيات الأطفال. وهو ما يعني أنه من خلال المساعدات الدولية، سواء الموجهة للبرامج الطبية المحددة، أو الهادفة لرفع مستوى دخل الفرد وحجم الناتج القومي، وعبر حزمة من الإجراءات والتدابير البسيطة، يمكن تحقيق المزيد من الخفض في الإحصائيات السنوية لوفيات الأطفال.