??لم يكن مستغرباً أن تتصاعد الاحتجاجات العنيفة في بلاد المسلمين، وأن تمتد الحرائق السياسية تتغذى على مفردات الكراهية وإشعال الفتن الدينية، لم يكن استهداف السفارات والمصالح الأميركية استثناءً في سياق الحدث، لم تكن المرة الأولى، ولن تكن الأخيرة التي يستهدف فيها الإسلام والمسلمون، ويستهدف بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن اشتركوا في إنتاج وتأليف والدعاية لفيلم رخيص التكلفة وعديم القيمة الفنية يحمل قدراً غير مسبوق من الإساءات والبذاءات في حق المصطفى عليه السلام ولأكثر من مليار مسلم، كانوا يعرفون ويستدعون ردود الأفعال هذه فتجربة الغرب بنشر الرسومات الكاريكاتورية الدانماركية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ستة أعوام تعطي بعداً لردود الأفعال المتوقعة من العالم الإسلامي، لقد كان لصانعي الفيلم أجندة سياسية وسيلتها إشعال براكين الغضب الإسلامي وإطلاق موجات العنف. في عالم التطرف يصبح الحديث عن العقلانية ترفاً، فدعاة الكراهية ونفي الآخر والمسيئين للدين الإسلامي في الغرب برسومات كريكاتورية أو أفلام أو روايات يعرفون جيداً أن دعوات الكراهية هذه ستستدعي من الطرف الآخر ردة فعل، ولكن ردة الفعل المبتغاه لن تأتي إلا من متطرفي المسلمين من دعاة محاربة الغرب، فالمتطرفون يتساوون في النهاية في رفض الآخر، والتطرف كلٌ بأدواته وأساليبه، وكلٌ له أجندته السياسية الخاصة. يواجه التطرف الديني والتعصب بتطرف مضاد، لم يكن توقيت عرض الفيلم المسيء للإسلام اعتباطياً، ففي ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر (التطرف الإسلامي ممثلًا بالقاعدة)، بث فيلم "براءة المسلمين" المسيء للإسلام، لتنطلق المظاهرات والاحتجاجات، فكانت البداية من القاهرة بدعوات من الجماعات السلفية للتظاهر أمام السفارة الأميركية واستجاب للدعوة آلاف الأشخاص الذين تظاهروا ثم اقتحموا أسوار السفارة وأنزلوا العلم الأميركي، ولتصل ذروتها بمهاجمة القنصلية الأميركية في بنغازي بالقذائف والصواريخ وقتل السفير الأميركي وثلاثة من موظفي الخارجية الأميركية، اجتاحت التظاهرات معظم الدول العربية والإسلامية واكتسبت طابعاً عنيفاً، وسعت الحكومات لاحتوائها، وحملت الإدارة الأميركية مسؤولية السماح بعرض الفيلم، ودخل الفيلم وردات الفعل عليه إلى صلب المزايدات في الحملات الانتخابية الأميركية. ولا يمكن إنكار دور وسائل الإعلام التي غطت الدعاية لفيلم سيئ الإخراج والتنفيذ منخفض الكلفة يكفي الاطلاع على المقاطع المسربة منه لمعرفة رداءة الصنع والحبكة المبتذلة. ففيلم بتكلفة تصل لخمسة ملايين دولار، هو فيلم منخفض الكلفة في عالم صناعة الأفلام، وبالتالي فالضجة الدولية المضادة، والتي استدعت تحريك قوات "المارينز" الأميركية لتحمي السفارات والملحقيات لأمر مثير للاستغراب، ومن ثم انطلقت التغطيات الإعلامية للمظاهرات العنيفة ولمشاهد حرق الأعلام واقتحام السفارات الغربية. فمئات المسلمين الغاضبون خرجوا للتظاهر، وقد نفترض البراءة في آلاف الجماهير التي خرجت في مظاهرات للدفاع ولنصرة رسولنا الكريم لكن لايمكن أن تمتد هذه البراءة للأحزاب السياسية التي غذت الغضب الجماهيري بدعوات التظاهر، التي تحولت لموجات عنف وكراهية ولهجوم على السفارات الأميركية، وكشفت من جديد عن خلل جلي في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي. سيظل المتعصبون، وممن يوقدون نيران الكراهية والتعصب ضد المسلمين من رسامين ومنتجين وأدباء وأكاديميين يغذون الخلاف والاختلاف، ويستدعون ردود أفعال عنيفة لتبقى دائرة التطرف والعنف مستمرة عبر التاريخ، ليروح ضحيتها الأبرياء وليسقط الاعتدال، وبعد أن تهدأ عاصفة الفيلم، قد تنفجر فضيحة أخرى في مسلسل لن ينتهي، لقد قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما سمع بهجاء شعراء قريش للنبي عليه الصلاة والسلام "أميتوا الباطل بالسكوت عنه".