هناك العديد من العناوين المثيرة للحزن والكآبة في الشرق الأوسط: تصاعد التوتر بين السُنة والشيعة وإصابة المدنيين في تبادل إطلاق النار في سوريا وسيارات متفجرة في العراق. وبالتأكيد يبدو "الربيع العربي"، الذي يتميز بنداءات يملؤها الأمل بالحرية ونهاية العنف، أنه يتراجع أمام "خريف الشك" الذي يقوده شبح العنف والطائفية المتزايدة المخيف. إلا أن هناك لحظات أمل يبدو أنها لا تصل أبداً إلى عناوين التيار الرئيس. ربما تكون واحدة من أكثر اللحظات إثارة في تاريخ العلاقات الطائفية في الإسلام تلك التي حدثت في شهر أغسطس عام 2012 في قمة التضامن الإسلامي غير العادية، والتي عقدت في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية بدعوة من الملك السعودي. تم تنظيم المؤتمر بدقة واهتمام لجمع قادة الدول ذات الغالبية المسلمة، بغض النظر عن التوترات الإقليمية بينها، للقاء والحديث وإيجاد سبل العمل معاً بشكل منتج. كان هذا الإصرار على الحوار ظاهراً بشكل خاص عندما جلس الرئيس الإيراني الشيعي إلى جانب الملك السعودي السنّي. بدلاً من العودة إلى الإنخراط في جدل يبرر مواقفهم، اختار المشاركون في المؤتمر مخاطبة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المشتركة التي تواجه المنطقة، وأهمها انعدام التضامن بين الدول المسلمة وتصاعد النزاع الطائفي. في ختام القمة، اقترح الملك عبدلله إنشاء مركز للحوار بين الطوائف في الرياض، مبرزاً التزام المملكة المستمر بالاعتراف بشرعية التفسيرات العديدة للإسلام والعمل على إعادة بناء المجتمع الإسلامي من الداخل. ويقع ذلك ضمن إطار الدعم الأوسع للحوار، الذي يتبناه الملك، بدءاً بالحوار الوطني داخل المملكة وامتداداً إلى الحوار بين الديانات والحضارات من خلال مركز في فيينا. ليست هناك فترة في التاريخ كانت فيها الحاجة لهذا الحوار أكثر أهمية. وأكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم، كالفقر ودمار البيئة والكوارث الطبيعية والأمن الغذائي ومياه الشرب النظيفة ونقص الطاقة، لا تقتصر على أية طائفة أو دين أو عرق أو دولة، فهي تحديات عالمية تتطلب استعداداً عالمياً لوضع العنف والحروب والطائفية التي ابتلت بها المنطقة والعالم لعقود عديدة لصالح التسوية وحل المشاكل بأسلوب حقيقي صحيح. يجب أن يكون إرشاد عملية التسوية التزاماً بتحقيق العدالة التصحيحية، يركز ليس على الثأر والعقاب وإنما على إعادة بناء العلاقات المحطمة حتى يتسنى للناس العيش والعمل معاً في المجتمع مرة أخرى. بغض النظر عما إذا تم هذا الحوار داخل الأمة، ليكسر الحواجز الطائفية والعرقية والقبلية أو حتى حواجز النوع الاجتماعي، أو بين الأمم أو الديانات أو الثقافات أو الحضارات، فإن النتيجة النهائية المبتغاة هي نفسها: استبدال ثقافة الخوف والحقد لدى من نعرفهم بصورة أقل مع التجارب المباشرة لـِ "الآخر". وهذا يسمح بتفاعل حقيقي بدلاً الصور النمطية المتوقعة، لتحتل وسط المسرح. لم تعد هناك وسيلة أقوى لكسر الصور النمطية السلبية من وضع الناس في موقع يستطيعون فيه وبشكل صادق مواجهة بعضهم بعضاً. تسمح الروابط على المستوى الإنساني، كأفراد أولاً ثم كأعضاء في الطوائف أو الأعراق أو الدول أو الديانات المختلفة، تسمح لنا أن ننظر في عيون بعضنا بعضاً والمشي في خطى بعضنا بعضاً، وخوض تجربة الحياة من منظور الطرف الآخر، وهي تشجع مستوى أعمق من التفاهم بناء على علاقات حقيقية بدلاً من الطرح اللغوي أو الصور. قال القس الدكتور مارتن لوثر كنج قولاً مأثوراً مرة: "يتوجب علينا أن نتعلم العيش معاً كأخوة أو أن نموت معاً كأغبياء". لقد أعدّ المسرح لإيجاد تلك الثقافة العالمية من الأخوة بين بني البشر. السؤال هو ما إذا كنّا كمجتمع عالمي نملك الشجاعة وحب الاستطلاع للعمل نحو تلك العلاقة وكسر حواجز الخوف. د. ناتانا ديلونج-باس رئيسة تحرير موسوعة أوكسفورد الإسلامية والمرأة ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند الإخبارية