قام وزير الدفاع الصيني الجنرال "ليانج جوانجلي" بزيارة إلى الهند هذا الأسبوع دامت خمسة أيام، وهدفت إلى تحسين علاقات بلاده العسكرية المضطربة مع الهند. وقد مثلت هذه الزيارة حدثاً نادراً على اعتبار أن آخر زيارة لوزير دفاع صيني إلى الهند تعود إلى ثماني سنوات خلت، أي في 2004. وكان وزير الدفاع الهندي السابق "براناب موكارجي"، الذي يشغل حالياً منصب رئيس الهند، قد زار الصين في 2006، غير أن الجانب الصيني لم يقم بزيارة مماثلة إلى الهند بسبب تردده. أما هذه المرة، فإن بكين هي التي سعت إلى هذه الزيارة، في وقت تكثف فيه هذه الأخيرة مطالبتها بأراض في بحر جنوب الصين، وتنتقد عدداً من البلدان بسبب ذلك، من الفلبين إلى فيتنام. ولذلك، فإنه من الواضح أن الصين لن تتحمل تصاعد التوتر على جبهات أخرى، كالجبهة مع الهند مثلاً. زيارة الجنرال "ليانج" جاءت بعد زيارات صينية مماثلة إلى الولايات المتحدة وروسيا، غير أن جهود التواصل الصينية مع الهند كانت واضحة حتى قبل وصول وزير الدفاع الصيني إلى الهند. ذلك أن المسؤول العسكري الصيني قام بزيارة مماثلة إلى سريلانكا قبل وصوله إلى الهند، وهناك قال للجمهور السيرلانكي إن هدف بكين من وراء تكثيف انخراطها مع بلدان جنوب آسيا هو الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين، وإنه ليس موجهاً ضد أي طرف ثالث. ومن الواضح أن المقصود بالطرف الثالث هو الهند التي تشعر بالقلق إزاء تزايد الأنشطة الصينية في البلدان المجاورة، من باكستان إلى بوتان ومن المالديف إلى نيبال وسريلانكا. خبراء السياسة الخارجية الهندية يشبهون الاستراتيجية الصينية بعقد اللؤلؤ الذي يحيط بالهند، غير أن الهند قامت ببسط السجاد الأحمر للجنرال ضمن برنامج مكثف. وبعد المحادثات، اتفقت الهند والصين على الحفاظ على السلام والهدوء على طول الحدود المشتركة وتعزيزهما، كما قررتا إجراء الجولة المقبلة من المناورات العسكرية المشتركة في أقرب وقت ممكن. ويشار هنا إلى أن آخر جولة من المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين كانت قد أجريت في 2008. ويعتبر اتفاق وزيري الدفاع الهندي والصيني على تعزيز التعاون على صعيد أمن الحدود أمراً بالغ الأهمية. وضمن تعليقه على المحادثات الثنائية، قال وزير الدفاع الهندي إنها كانت "مثمرة جداً" وتلقى دعوة من وزير الدفاع الصيني لزيارة بكين العام المقبل. الزيارة جاءت في وقت تستعد فيه بكين لتغيير كبير على مستوى قيادة البلاد، وهي عملية تحدث مرة كل عشر سنوات تقريباً في الصين. وكيفما تكن دوافع الزيارة بالنسبة للجانب الصيني، فإن زيارة الجنرال "ليانج" كانت مهمة بالنسبة للهند من أجل علاقة شهدت الكثير من لحظات الفتور أو التوتر. وعلى الرغم من أنه لم تُتخذ أي قرارات كبيرة أثناء هذه الزيارة، إلا أن مجرد الانخراط بين البلدين على الصعيد العسكري يعتبر مهماً من أجل تجنب تصاعد توتر بين الجانبين في المستقبل. والجدير بالذكر هنا أن التوتر بين البلدين كان قد تصاعد بشكل مفاجئ قبل عامين. ففي 2010، عمدت الهند إلى إلغاء كل أشكال التبادل على مستوى الدفاع بين البلدين بعد أن رفضت الصين استقبال قائد قيادتها العسكرية الشمالية حينئذ، الفريق "جاسوال"، لأنه كان يعمل في كشمير، وهي منطقة تتنازع الهند على السيادة عليها مع باكستان، علماً بأن الصين تعتبر حليفاً كبيراً لباكستان. وعلى الرغم من أن تجميد العلاقات العسكرية دام نحو 18 شهراً، فإن البلدين كانا يسعيان إلى العودة إلى علاقات طبيعية بينهما. وإذا كانت العلاقات الاقتصادية بين الصين والهند تنمو وتتطور بسرعة في وقت أصبحت فيه الصين أكبر شريك تجاري للهند، إلا أن العلاقات السياسية والعسكرية مازالت تعتبر شائكة بسبب التوترات التي تجمع بين البلدين على خلفية الحدود. وتمثل "أروناتشال براديش"، وهي ولاية تقع في شمال شرق الهند، نقطة الخلاف الرئيسية بين الجانبين. وعلى الرغم من أن البلدين اتفقا على عدم إزعاج السكان المستقرين في أي تسوية حدودية في المستقبل، فإن بكين تدعي أن إقليم "أروناتشال براديش" الهندي هو جزء من أراضيها، ولكن اهتمامها الرئيسي منصب على الحصول على منطقة "تاوانج" البوذية في تلك الولاية. غير أنه في الوقت الراهن يمكن القول إن المطالبات الإقليمية المتنافسة حول بحر جنوب الصين هي التي بصدد التحول إلى بؤرة نزاع كبيرة في المنطقة. ذلك أن الصين تطالب بكل بحر جنوب الصين، بما في ذلك جزر "باراسل" و"سبراتلي" باعتبارها جزءاً من أراضيها، لأنه يُعتقد أن المياه الإقليمية في المنطقة غنية بالنفط والغاز. وعلاوة على ذلك، فإن بحر جنوب الصين يعتبر خطاً مهماً من خطوط الملاحة البحرية. والحال أن الهند جُرت بشكل غير مباشر إلى هذا النزاع، وذلك لأن وجودها في بحر جنوب الصين من خلال عمليات التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية لفيتنام يشكل مصدر غضب للصين. وكانت الصين قد حذرت الهند في الماضي من عمليات التنقيب المشتركة عن النفط مع فيتنام في بحر جنوب الصين، واصفة إياها بأنها انتهاك للسيادة الصينية. ففي العام الماضي، تلقت سفينة هندية متخصصة في التنقيب عن النفط كانت تعمل قبالة السواحل الفيتنامية تحذيراً من سفينة حربية صينية بأنها توجد في المياه الصينية، وبالتالي عليها أن تبتعد. والآن شرعت الصين في المطالبة بمنطقة بحرية قبالة سواحل فيتنام، كانت هذه الأخيرة قد سلمت الهند ترخيصاً للتنقيب فيها. ولذلك، فإنه ما من شك في أن العلاقة المعقدة بين الهند والصين ستعرف مزيداً من لحظات الصعود والهبوط في المستقبل. ــ ــــ ـ ـ ـ ـ ـ د.ذِكْرُ الرحمن