يؤكد الإسلام الحنيف على ضرورة وجود السلطة، فالحاجة إليها تتماشى مع النتائج المنطقية لطبيعته التنظيمية العالية، ورغم أن المفكرين المسلمين قدامى ومحدثين متقفون على الحاجة إلى وجود القيادة المجتمعية كممثل للسلطة السياسية الأعلى، إلا أنهم يختلفون حول مصادر شرعية القيادة ونطاق ممارستها لسلطتها وطريقة انتقالها بين الأفراد. وبغض النظر عن أن الاختلافات حول الحكومة الإسلامية ليس لها علاقة بالتناقضات الفئوية بين المفكرين الإسلاميين، إلا أن الاختلافات الرئيسية حول القيادة السياسية ذات طبيعة فئوية في صلبها. لذلك فإن النزعات الفئوية في العالم الإسلامي ربما تكون لها جذورها التي أثرت فيها تدريجياً المعتقدات التي كانت سائدة في أوساط أولئك الذين دخلوا الإسلام لاحقاً من غير العرب. لقد كان لذلك التطور الذي أتى كنتيجة مباشرة لانتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية، تأثيراً كبيراً على الجوانب النظرية والعملية للقيادة السياسية الإسلامية، وللحكومة والدولة الإسلامية ذاتها. لقد فصَل الإسلام عن طريق الاعتماد على الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم نظاماً من الحكومة عبر الأخذ بمؤسسات الشورى والإجماع والبيعة. ووفقاً للسنة الصحيحة، فإن حق المجتمع الإسلامي في تقرير مساراته في الحركة تنطبق على اختيار قيادته، لكن المرشح للقيادة يجب أن يحوز صفات عالية من الورع والصلاح ويبقى ملتزماً بحماية الإسلام ونشره وتطبيق مبادئه. لذلك فإن شرعية القائد تعتمد على المميزات التي يحوزها وكفاءته العملية والطريقة التي يصل بها إلى السلطة. لكن تلك المواقف النظرية بقيت بعيدة عن الممارسة العملية لمؤسسة القيادة بعد انقضاء فترة الخلفاء الراشدين، فبعد ذلك بقي المسلمون ملتزمين بتلك المبادئ نظرياً ولم يتخلوا عنها كلية كمبادئ قائمة وموجودة، إلا أنهم أخذوا في الابتعاد عن تطبيقها في الواقع العملي، لأنه بعد اتساع رقعة دولة الخلافة لم يعد تطبيق النظام المطلوب ممكناً، وصارت مسألة اختيار الخليفة المناسب من بين أهل الحل والعقد في دولة مترامية الأطراف أمراً شبه مستحيل. التطور التاريخي الأهم في نظام الخلافة اتضح في الانتهاج التدريجي للفصل بين السلطتين الدينية والسياسية، فالخلافة الإسلامية مارست في البداية الوظيفتين الدينية والسياسية، وكانت تلك الممارسة متناغمة مع النزعة الإسلامية الخاصة بالكلية الشمولية والمركزية، وسهلت من الطبيعة الوحدوية المتراصة والتناغم الكلي الإسلامي. لذلك فإن وجود قيادتين نتيجة للفصل بين السلطتين الدينية والسياسية في زمن الأمويين والعباسيين لم تكن له آثار تفرق الأمة فقط، لكنه تسبب في مشكلة لشرعية نظام الخلافة ذاته الذي ساد أثناء تواجدهما. وإجمالاً يمكن القول بأن من المؤكد وجود ارتباط قوي بين الإسلام والسياسة، لذلك فإن ضرورة وجود حكومة وسلطة، ووجود قيادة سياسية، هي النتائج المنطقية لعدم وجود فصل بين الدين والدولة. وهذا يعني أن دراسة الحكومة الإسلامية من حيث كونها المحتوى الاندماجي الأعلى الذي تعمل فيه السلطة السياسية هو محتوى ضروري لأي إطار عمل يهدف إلى دراسة السلطة والقيادة في الإسلام. وما نعتقده هو أنه عن طريق الاعتماد على مقولات النخبة السياسية، والسلطة الكاريزمية، يمكن في العصر الحديث دراسة القيادة السياسية في الإسلام كنظام فرعي أكثر دمجاً ومركزية يسمى الحكومة أو السلطة السياسية في الإسلام، وهذا شأن آخر يمكن الحديث عنه في مقام آخر. د.عبدالله جمعة الحاج