في كتابه "الإسلام والصحوة العربية"، يقدم الباحث والأكاديمي طارق رمضان، المعروف بإنتاجاته الفكرية الغزيرة، قراءته الشخصية لانتفاضات "الربيع العربي" التي بدأت في تونس في ديسمبر 2010، لتسقط بعض القادة المستبدين تباعاً، ولكن أيضاً لتفجر حرباً أهلية في ليبيا لم تتوقف إلا بفضل التدخل الدولي، وحرباً داخلية دموية أخرى في سوريا ما زالت فصولها متواصلة إلى اليوم، بينما لا تزال التداعيات الطويلة لذلك "الربيع" متواصلة في مصر وبلدان إلى أمد غير معروف. وفي هذا الكتاب "المستفز"، يحاول رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، بحث أحداث هذا "الربيع" محاولاً فهم أسبابها واستبطان دلالتها واستشراف مستقبلها. واللافت أن رمضان الذي مُنع من دخول تراب الولايات المتحدة في عهد إدارة بوش الابن، يكاد يشيد ببوش في هذا الكتاب، إذ يشير إلى تركيز الرئيس الأميركي السابق على تحرير العراق، إضافة إلى تمويل إدارته لبرامج تدريب على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي غير العنيفة (في الولايات المتحدة في أحيان كثيرة عبر منظمات غير حكومية) استفاد منها العديد من المعارضين العرب، الذين تلقوا أيضاً المساعدة من شركات عملاقة مثل جوجل وياهو. وكعادته، يدعو رمضان المسلمين، ولاسيما أولئك الذين يعيشون في العالم العربي، إلى تجاوز التعليل المتكرر لكل مشاكلهم ومصائبهم بالاستعمار (والذي يصب في مصلحة الأحزاب الإسلامية) والتخلي عن رفض كل ما يمت للغرب بصلة. ويحذر من أنه دون تطوير حقيقي للمجتمعات المدنية العربية والهويات الثقافية، ودون تحرير فلسطين وقيام المسلمين بعملية تأمل ونقد للذات، فإن "الربيع العربي" يمكن أن يفضي من جديد إلى أنظمة دكتاتورية. رمضان يقدم تحليلاً للعوامل التي تضافرت وأسهمت في خلق أحداث "الربيع العربي" في كل بلد على حدة، ويكتب من الوسط، كباحث في الإسلام يفهم الدين ويدافع عنه، لكن أيضاً كعضو في المجتمع المدني الأوروبي. كما يحث كل "الأطراف" على أن تضع جانباً التصورات المثالية ونظريات المؤامرة المعادية للأجانب، حتى تفهم أن انتفاضات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي في الوقت نفسه أكثر قوة وهشاشة من القراءة التي يقدمها بعض "الأطراف" للأحداث. وفي هذا الإطار، يقدم رمضان للقارئ الغربي، الذي يريد أن يؤمن بمقاومة عفوية وتلقائية للدكتاتوريات الدينية من أجل تبني مثل الغرب الديمقراطية والعقلانية، دليلاً قوياً على أن الشباب الذين تزعّموا انتفاضات "الربيع العربي"، قد تلقوا دعماً وتدريباً من بعض القوى الغربية على مدى نصف عقد من الزمن، قبل أن يتم إرسال أول "تغريدة" في "ثورة التويتر". لكنه بالتوازي مع ذلك، يحرص على أن يقدم للقائلين بنظرية المؤامرة من المسلمين دليلاً دامغاً كذلك على أن القوى الغربية لم تكن تتحكم في تلك الأحداث خلال 2011، وإنما كانت تتفاجأ في كثير من الأحيان بالمنحى الذي تنحوه تلك الأحداث في الواقع. ويخصص رمضان حيزاً لا بأس به لبحث الدور الذي لعبته بعض القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وكذلك الشركات الكبرى، في كل دولة مع تقدم الانتفاضات، مجادلاً بأن هذه القوى الغربية، لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا، تريد وتحاول أن تسيطر على الأحداث في الشرق الأوسط. غير أنه لابد من الإشارة هنا إلى أنه لا تكاد تخلو أي صفحة في الكتاب من دعوة يوجهها المؤلف إلى ضرورة التحليل الهادئ والملاحظة الحذرة بعيداً عن الانفعالات، وتجنب التأكيد الدوجمائي وردود الفعل العاطفية. وعبر إبراز الطريقة التي تتطابق بها التناقضات في ردود هذه القوى الخارجية على الانتفاضات في دول مختلفة مع جغرافيا الاحتياطات النفطية، يشير رمضان إلى أن تلك الشركات قلقة بشأن حماية مصالحها الاقتصادية الخاصة أكثر منها بشأن تطوير الديمقراطية في تلك البلدان. غير أن الكاتب يبدو أقل وضوحاً بخصوص رأيه حول المجموعات الكثيرة التي تتصارع حالياً على السلطة في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة أن الكثير منها مازال يفتقر إلى أجندات واضحة المعالم. محمد وقيف الكتاب: الإسلام والصحوة العربية المؤلف: طارق رمضان الناشر: أكسفورد يونفرستي برس تاريخ النشر: 2012