في خطاب قبول ترشيحه الذي ألقاه في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي، وصف أوباما منافسه الجمهوري، رومني، والمرشح نائباً له بول رايان بأنهما شخصان "جديدان على حقل السياسة الخارجية"، وراح يسخر من بعض المواقف الغريبة التي اتخذاها بشأن مسائل السياسة الخارجية، مركزاً بشكل خاص على تصريح أدلى به رومني مؤخراً، وقال فيه إن روسيا هي عدو أميركا الرئيسي، فاتهم الاثنين بأنهما "ما زالا يفكران بعقلية الحرب الباردة". وهو تشبيه ملائم، إذ تابعت خطب الجمهوريين المتتالية في مؤتمرهم العام باحثاً عن كتلة متماسكة من توجهات السياسية الخارجية، فلم أجد شيئاً؛ ولاحظت أن الشيء المشترك في معظم تلك الخطابات هو التأكيد على فكرة الاستثناء الأميركي، وموقع أميركا الفريد في العالم، وقدرها الحتمي في قيادة العالم. مثل هذا الإحساس المكثف بالفرادة، والاستثناء، والدور الرسالي... هو الذي دفع "هنري لوس"، ناشر مجلة "لايف"، في مقالة شهيرة نشرها بالمجلة عام 1941، لوصف القرن العشرين بأنه القرن الأميركي، داعياً لإظهار القوة الأميركية في مختلف أنحاء العالم لنشر ودعم القيم الأميركية. برنامج الحزب الجمهوري لانتخابات 2012 الرئاسية، يوضح بجلاء أن رومني سوف يسعى لمد نطاق القرن الأميركي، من خلال تبني توجه في مجال السياسة الخارجية يقوم على أن القوة الأميركية تعتبر أساساً جوهرياً وضرورياً للنظام الدولي، الذي يخدم الأمن والرخاء الاقتصادي الأميركي. لكن إظهار وعرض القوة الأميركية بات يتم إدراكه بشكل عام على أنه يعني عسكرة السياسة الخارجية. فما يعرف بعقيدة ترومان المتبناة عام 1947 من قبل الرئيس هاري ترومان، كرست الموارد الأميركية الضخمة لمصلحة سياسة تقوم على احتواء الاتحاد السوفييتي، ومنع الأيديولوجية الشيوعي من تلويث باقي العالم! وهذه العقيدة هي التي قادت لمأساة الحرب الفيتنامية التي قتل فيها نحو 50 ألف جندي أميركي، وانتهت بسقوط فيتنام الجنوبية ذاتها في أيدي الشيوعيين. ملامح السياسة الخارجية لرومني، على ما بها من غموض، توضح شيئاً واحداً هو أن رومني في سعيه لإظهار القوة الأميركية سوف يكون صِدامياً. فهو يتهم أوباما بالضعف والفشل القيادي، وينوي أن يقدم نمطاً من القيادة يعتمد على مواجهة التهديدات واستخدام القوة. فمن سوريا إلى إيران والعراق، ومن روسيا إلى الصين وكوريا الشمالية، نجد أن مقاربة رومني للسياسة الخارجية تكاد تكون واحدة وهي: أن أميركا لن تتردد للحظة في اتخاذ إجراءات عقابية، كما أن استخدام القوة الباطشة في حماية مصالحها القومية وطريقتها في الحياة، لن يكون خياراً احتياطياً في الخلف، وإنما سيتم تقديمه على غيره من الخيارات. وعسكرة السياسة الخارجية على حساب التعددية والديمقراطية كان واضحاً في مقترح ميزانية 2012 الذي قدمه رايان، المرشح لمنصب نائب الرئيس مع رومني، فهذا المقترح هو الذي وفّر الأساس لإجراء خفض كبير نسبته 30 في المئة من مستويات الصرف على الشؤون الدولية في عام 2010. ولو كان هذا المقترح قد فُعِّل لكان قد قوض فعالية جهاز السياسة الخارجية الأميركية برمته. ليس هذا فحسب، بل إن رومني دعا إلى إضافة 100 ألف جندي إلى الخدمة العاملة، وتعزيز قوة البحرية الأميركية من خلال بناء 15 سفينة حربية جديدة كل عام بدلاً من 9 حالياً. ولم يكتف رومني بذلك، بل قرر التمادي من خلال تقديم نموذج على قدرته على الأداء الفاعل في كافة قضايا السياسة الخارجية، وذلك بوضع نفسه دون تحفظ في خدمة إسرائيل، عندما قال إنه سيلتقط سماعة الهاتف، ويطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي ويسأله ما الذي يمكن له (رومني) تقديمه لمساعدة إسرائيل؟ وقد فعل رومني شيئاً آخر ليميز نفسه عن خصمه الديمقراطي، عندما أظهر تجاهلاً تاماً للحقيقة باتهامه أوباما بـ"إلقاء إسرائيل تحت عجلات الحافلة"، رغم الدعم الكبير الذي قدمه لإسرائيل منذ مجيئه إلى البيت الأبيض، والذي لخصه في خطاب ألقاه خلال مارس الماضي أمام "لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (آيباك) عندما قال إن "التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل خلال حكم إدارته غير مسبوق... وإنه رغم القيود الصعبة في الميزانية التي تزداد كل عام، فإن مساعدة واشنطن لتل أبيب في المجال الأمني تتزايد عاماً بعد آخر... وتشمل تزويد إسرائيل بأحداث التقنيات، وأنها لن تتردد في القيام بكل ما يلزم للمحافظة على التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي". وفي رأيي أن سياسة رومني الخارجية ليست بالسياسة على الإطلاق، وإنما هي عبارة عن تأكيدات تكون أحياناً غير حقيقية، وهي في معظم الأحوال مما لا يمكن التحقق منه، وتعتمد في جلها على فرضية تبسيطية، وهي أن إظهار القوة الأميركية هو الطريق الوحيد للحفاظ على أمن أميركا وضمان رخائها. والشيء المؤكد هو أنه إذا ما أصبح رومني رئيساً، وشرع بالفعل في تنفيذ ما يعد به في إطار حملته الانتخابية الحالية، فإن السياسة الخارجية الأميركية هي أكثر ما سيعاني جراء ذلك، كما أن احتمالات الصدام مع الآخرين سوف تصبح أكثر احتمالاً، وستصبح القيادة الأميركية أقل قدرة وفعالية.