تغيير وزاري مخيب للآمال...واستقطاب عنصري في الانتخابات الأميركية أصداء التغيير الوزاري الأخير في بريطانيا، وأجواء الانتخابات الأميركية، وتطورات الحملة العسكرية في أفغانستان، موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن قراءة سريعة في الصحافة البريطانية. خيبة أمل تحت عنوان "التغيير الوزاري يدل على أن كاميرون يفقد إدعاءه بأنه رجل تحديث"، رأت "الأوبزيرفر" في افتتاحيتها الأحد الماضي، أنه رغم أن غرض رئيس الوزراء من إجراء التغيير الوزاري الذي تأخر طويلاً كان معالجة ركود مزدوج يعاني منه الاقتصاد البريطاني، فإن طبيعة التغييرات الوزارية الكثيفة، التي أجراها والتي قام من خلالها بتصعيد، وتنزيل، العديد من الشخصيات السياسية المختلفة المواهب لم تؤد، لطمأنة المدافعين بشأن حسن اختياره، وتصميمه، وقدراته على المناورة السياسية، وتوجيه دفة الائتلاف الذي يرأسه عبر الأمواج العاتية المتوقع له مواجهتها خلال الفترة القادمة. فذلك التغيير، الذي لا ينسجم مع علامات الهلع التي كانت ترتسم على ملامح رئيس الوزراء جراء الحالة المتردية، التي وصل إليها الاقتصاد البريطاني، وبدلاً من أن يقدم ما كان يؤمل أن يكون تطبيقاً نموذجياً للبراجماتية السياسية، فشل في الإجابة على الكثير من الأسئلة التي كانت تتردد بشأن كاميرون في بريطانيا، والتي من بينها: هل هو راديكالي أم معتدل... براجماتي أم مثالي؟... وهل يفتقر إلى السلطة والجاذبية والشخصية التي تمكنه كرئيس وزراء يقود ائتلافاً يزداد هشاشة على الدوام، من المحافظة على ذلك الائتلاف قائماً في وسط أمواج عاتية تحيط به من كل جانب؟ وترى الصحيفة أنه إذا كان كاميرون ينوي أن يقدم التغيير الوزاري الذي أجراه إجابات عن تلك الأسئلة، فإن الشيء المؤكد أنه فشل في ذلك، بل وأثبت عكس ما كان يدعيه، من أنه شخص مصلح وذو ميول تحديثية، حيث تبين بعض المعلومات التي تسربت حول المشاورات التي دارت قبل إجراء ذلك التشكيل، أن بعض الوزراء قد رفضوا الانتقال من وزاراتهم إلى وزارات أخرى، كما أن البعض منهم لم يعجبهم أن يتسلموا مناصب وزراء دولة أي وزراء من دون حقائب وزارية محددة ،لاعتبارات تتعلق بالحصص الحزبية في المقام الأول .ووصف بعض المحللين التشكيل الوزاري الأخير بأنه يدل على أن كاميرون الذي كان قد اكتسب شهرة لا بأس بها كخطيب مفوه، ورئيس وزراء يتمتع بقدرات كبيرة على التواصل، قد بدأ يفقد هذه الميزات، ويفقد ما كان يحظى به من أعجاب، بل وبدأ يغدو أكثر انفصالاً عن الواقع ولم يظهر كما كان يفترض في الصورة التي كان يؤمل لمثل هذا التعديل الوزاري الذي طال انتظاره أن يعكسها عنه، وهي صورة رئيس الوزراء العملي، الذي لا يرحم، ولا يتردد للحظة في التخلص من وزرائه أصحاب الأداء المتدني. استقطاب عنصري كتب "جاري يونج" مقالاً في عدد" الجارديان"يوم الأحد الماضي تناول فيه الانتخابات الأميركية، واختار له عنواناً طويلًا هو"الانتخابات تتخذ تدريجياً شكلاً يجعلها ترهص بأنها ستكون الأكثر استقطاباً عنصرياً في تاريخ أميركا". وعدد الكاتب الأسباب التي تجعله يعتقد ذلك من أهمها أن دعم الأميركيين من أصول أفريقية للحزب الجمهوري، قد وصل إلى أدنى مستوياته حيث أظهر استطلاع حديث للرأي أجرته صحيفة" وول ستريت" أن نسبة الأميركيين من تلك الفئة ممن قالوا إنهم ينوون التصويت لرومني لم تزد عن(صفر في المئة)، كما أن نسبة الأميركيين من أصول لاتينية، وإن كانت أفضل كثيراً من ذلك، حيث أعرب 32 في المئة منهم عن نيتهم التصويت لرومني، إلا أنها تبقى- مع ذلك- منخفضة لحد كبير، وتقل كثيراً عن النسبة الدنيا من أصوات تلك الفئة التي يحتاج إليها الجمهوريون كي يكسبوا الانتخابات وهي 40 في المئة، وهو ما جعل الكثيرين من استراتيجي الحملة الانتخابية الحالية يدقون أجراس الإنذار. ويرى الكاتب أن هناك سببين رئيسيين قد دعيا خبراء الحملة الاستراتيجيين لذلك: الأول، وهو طبيعة النظام السياسي الأميركي الذي عرّفه الرئيس الجمهوري الأسبق "ريتشارد نيكسون" بأنه نظام" لا يرى أن هناك مشكلة في كسب أصوات البيض من سكان الجنوب وسكان الضواحي في المدن الكبرى، وتكمن مشكلته الحقيقية – بالنسبة لـ"الجمهوريين”- في كيفية اجتذاب المزيد من أصوات السود وهي عملية يكمن مفتاحها في اختراع نظام سياسي مختلف يعترف بهذه الحقيقة دون أن يبدو ظاهرياً أنه يعترف بها". وهذا التعريف يعني في نظر الكاتب أن أصوات السود أهم الأصوات التي يمكن أن تحسم فوز رئيس "جمهوري" وخصوصاً في الولايات الجنوبية. بيد أن المشكلة هي أن ذلك النظام قد تغير وبات يتم تعريفه الآن بأنه نظام يُدار من قبل شخص أسود موجود في البيت الأبيض، تعرض في الآونة الأخيرة لحملات مروعة من جانب المرشحين "الجمهوريين" بدءاً من "ريك سنتوريوم" و"نيوت جنجريتش" وانتهاء بميت رومني الذي رشح رسمياً لتمثيل الحزب "الجمهوري" في الانتخابات المقبلة، الذي ذهب في هجومه إلى حد التشكيك في المكان الذي ولد فيه أوباما عندما قال"إن أحداً لا يسألني عن شهادة ميلادي، لأن الجميع يعرفون أنني قد ولدت في المكان الذي ننتمي إليه جميعاً... في حين أن الأمر ليس كذلك بالنسبة لآخرين- يقصد أوباما" السبب الثاني الذي جعل استراتيجيي الحملة "الجمهورية" الانتخابية يدقون أجراس الإنذار هو أن أصوات البيض التي كان ينظر إليها على أنها تكاد تكون دوماً مضمونة بنسبة كبيرة لـ"الجمهوريين" ، قد دخلت طور التقلص الآن، ولم تعد هي العنصر الحاسم في ضمان فوزهم كما كان الحال في الماضي، بسبب الانكماش المستمر في أعداد السكان البيض على وجه الخصوص. وهذا الانكماش في نسبة البيض يحدث كما يقول الكاتب في ذات الوقت الذي يزداد فيه النفوذ السياسي للسود، ويحصلون على المزيد من الحقوق مقارنة بما كان عليه حالهم في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومما يفاقم من تأثير ذلك حقيقة أن الحزب "الجمهوري" يصر على اتباع سياسات تتعمد الإضرار بهذه الفئة من الأميركيين، وتجعلهم أكثر تباعداً عنه، مثل سياسات تخفيض الضرائب على الأغنياء- ومعظمهم من البيض- وتحميلها على شرائح الطبقة الوسطى والدنيا التي يشكل السود جزءاً كبيراً منها. المفاوضات هي الحل "الحقيقة القاسية بشأن الرحيل عن أفغانستان"، هكذا عنونت "الديلي تلجراف" افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي عن حملة بريطانيا في أفغانستان التي تصفها بأنها تعتبر رابع أطول صراع عسكري تنخرط فيه بريطانيا في دولة أجنبية منذ أيام حروبها مع نابليون بونابرت، وأن الحكومة البريطانية بسبب طول هذا الصراع غير المعتاد، وبعد كل الخسائر المادية والبشرية التي تكبدتها قواتها، قد باتت في وضع الآن يدفعها للاعتراف ببعض الحقائق القاسية بشأن تلك الحملة. فعلى الرغم من الإنجازات التي حققتها تلك القوات والقوات الأميركية والحليفة في هذا البلد، الذي كان يمثل مقر القيادة العالمية لتنظيم "القاعدة"، والذي لم يعد كذلك بعد الضربات القاصمة التي تم توجيهها للتنظيم ولقياداته، ولحركة "طالبان"، إلا أن ما ينبغي الاعتراف به مع ذلك هو أن تلك القوات لن تتمكن من تحقيق نصر صريح على "طالبان" بسبب تجذرها، وتغلغلها في المجتمع الأفغاني، وهو ما يعني أن المفاوضات سوف تكون خياراً حتمياً، وأن "طالبان" شاءت بريطانيا أم أبت، ستكون جزءاً أساسياً من تلك المفاوضات. والحقائق القاسية، في نظر الصحيفة، لا تعني القوى الغربية، وإنما تعني "طالبان" أيضاً التي توصلت هي الأخرى إلى حقيقتها القاسية الخاصة، وهي أنها لن تتمكن من إلحاق الهزيمة بالقوات الغازية، وأن المفاوضات هي الخيار الوحيد لضمان انسحابها، وأنه ليس في مصلحة "طالبان" بالتالي الاستمرار في إسباغ الحماية على تنظيم "القاعدة"، وأن مصلحتها تكمن كذلك في الدخول في مفاوضات مع حكومات الدول الغربية، لإبقاء جزء من قواتها في أفغانستان بعد عام 2014، حتى لا تنهار الأوضاع، وتعود لما كانت عليه قبل 2001. إعداد: سعيد كامل