شاهد عشرات الملايين من الأميركيين مراسم قبول كل من "رومني" و" أوباما" ترشيحه للرئاسة من قبل حزبه في المؤتمر العام. انشغلنا في سماع حكاياتهما وفي تحليل حججهما، ولكنا شاهدنا أيضاًَ وجهيهما كما قرأنا سواء عن عمد أو غير عمد تلميحاتهما غير الشفهية يعني لغة الجسد وكيف عانقا أسرتيهما وأصدقاءها وأهم شيء ابتساماتهما. يشير البحث الذي اشتركت في إجرائه مع كل من "إيريك بيوسي" من جامعة تكساس للتكنولوجيا و"مارك ميهو" من جامعة جنيف إلى أن توقيت ابتسامات زعمائنا والعضلات التي يستخدمونها في رسم تلك الابتسامات تشي بشيء ما عن شخصياتهم ومدى ارتباطهم بناخبيهم. ذلك أن كل شكل من أشكال الابتسامات المختلفة يفشى عن انطباعات معينة، ويظهر ردود أفعال ومشاعر مختلفة من المشاهدين. شاهدت خطاب مؤتمر كلا المرشحين. وأثناء قبول ترشيح الحزب "الجمهوري" ابتسم "رومني" إحدى عشرة مرة في 38 دقيقة. وكانت معظم ابتساماته رداً على استحسان الحضور وتصفيقهم وضحكاتهم وترديد اسمه غير أن تلك الابتسامات تفاوتت في زمنها وشدتها. بينما لم يبتسم أوباما سوى خمس مرات خلال كلمته التي استغرقت 39 دقيقة في مدينة شارلوت، لم يكن الرئيس بطبعه كالح الوجه، ولكن خطابه كان مختلفاً، فبينما قضى "رومني" جزءاً كبيراً من وقته مقدماً نفسه للناخبين، ركز أوباما على سجله وخططه دون سيرته الذاتية. ذلك أن الرسائل الخطابية المختلفة تشكل ابتسامات مختلفة، دعني أحلل أربعة أنواع من الابتسامات أظهرها في المؤتمرين الرجلان اللذان يتنافسان على البيت الأبيض، ورغم أننا لا نستطيع قراءة ما يدور في ذهن كل منهما، فإنه بمقدورنا محاولة قراءة وجه كل واحد. أولاً: الابتسامة المصطنعة أو المتكلفة - تسمى أحياناً الابتسامة الزائفة، وهي عبارة عن أداة اجتماعية متعددة الاستعمالات، حيث يجذب طرفا الشفتين إلى أعلى وإلى الخلف، وهو ما يشي بمشاعر إيجابية حتى إن كانت غير صادقة، يستعمل الساسة الابتسامات المصطنعة للرد على استحسان الحضور وضحكاتهم. ولكن تلك الابتسامات لا تعني بالضرورة أن المرشح قد تأثر فعلاً برد فعل الحضور. رومني: أرسل رومني ابتسامات متكلفة كثيرة أثناء كلمته، بدأها حين اعتلى المنصة وأعلن قبوله الترشيح. وكانت انتقاداته لأوباما مصحوبة بابتسامات متكلفة.لا بد لرومني أن يؤيد صراحة انتقادات الناتج الاجمالي المحلي الكثيرة التي وجهت للرئيس، والابتسامة تشير إلى أنه يفعل ذلك. أوباما: جاءت ابتسامة أوباما المتكلفة عقب اختتامه كلمته مباشرة وتحيته للحشود، وكان الموقف يحتم ذلك، وربما كانت لديه أمور أخرى في ذهنه - كتقرير الوظائف المقبل أو احتمال النزاع مع إيران. ولكنه حين يقبل ترشيح الحزب "الديمقراطي" للرئاسة للمرة الثانية ويواجه انتخابات صعبة ستحدد تاريخه السياسي لا يكون هناك خيار أمامه إلا الابتسامة. ثانياً: الابتسامة المحسوسة: هي ابتسامة أكثر صدقاً من الابتسامة المتكلفة، ولا يكتفي بشد طرفي الشفتين إلى أعلى ولكن تنقبض فيها العضلات المحيطة بالعينين، وإن كانت الابتسامة المتكلفة ترسل معلومات - مثل "أني لا أشكل أي تهديد" أو "أوافقكم الرأي" - فإن الابتسامة المحسوسة تقول: "إنني أحبكم فعلاً (وسواء كانت مصادفة أو فكرة طرأت علي ذهني غالباً ما يظهر ساسة أركنساو مثل بيل كلينتون ومايك هوكابي ابتسامات محسوسة). وبالنسبة لرومني، فإنه حين أبدى ابتسامات محسوسة أثناء خطابه، كانت تلك الابتسامات تأتي بعد استحسان الحضور تعليقاته التلقائية الصادقة سواء التعليقات الساخرة أو المتعلقة بإنجازاته السابقة التي يفخر بها. وأبدى أوباما ابتسامة محسوسة حين صعد إلى المنصة وسط هتاف الجمهور الخاص، وجاءت ابتسامة محسوسة أخرى حين عبر عن مدى افتخاره بنجلتيه ساشا وماليا، وحين قال لهما مازحاً: "نعم يجب عليكما أن تذهبا إلى المدرسة غداً صباحاً". كانت هذه الابتسامة بالغة القوة تكاد تبلغ في وقتها ابتسامة الرضا الموضحة أدناه. ثالثاً: ابتسامة الرضا - تظهر هذه الابتسامة الثقة - وربما تشبه ابتسامة محسوسة قوية - حيث تنجذب أطراف الشِفة إلى أعلى وتضيق العينين، ويرخى الفك أو يسقط مفتوحاً- ولكنها إيماءة فطرية ربما تكون اكتسبت في بداية تطور الجنس البشري. حين تبتسم وفكك مرتخ فإنك تتخلى عن أسلحتك الدفاعية، حيث يتمكن أحدهم نظرياً من هزيمتك بسهولة حين يكون فمك مفتوحاً. على عكس ما يتصوره البعض، كثيراً ما تظهر ابتسامات الرضا في المناظرات السياسية. ففي انتخابات 2008 التمهيدية كثيراً ما أظهر كل من مايك هوكابي وجون ماكين من هذه الابتسامات، وكذلك فعل كل من أوباما وهيلاري كلينتون. لعل ذلك يشير إلى أنه رغم أنهما كانا يتنافسان على ذات المنصب وربما اختلفا في كثير من الأمور، فإنه كان هناك نوع من الود بينهما. وكأن ابتساماتهما المحسوسة تقول: "هذا مجرد تنافس وليس صراعاً مريراً". تغيرت الأمور منذئذ. فلم يظهر "رومني" ولا أوباما ابتسامة رضا خلال خطاب المؤتمر وهو ما يعبر عن سياق أحداث السنوات الأربع الفائتة - حين تصاعد الخلاف بين الحزبين، وزاد انقسام الولايات المتحدة على نحو غير مسبوق. غير أن "رومني" وأوباما أظهرا ابتسامات الرضا بعيداً عن المنبر حيث ابتسم "رومني" وضحك حين انضم إليه ريان في القاعة، كذلك ابتسم أوباما وضحك حين صعدت أسرته إلى المنصة. ربما اقتصرت ابتسامات رضا كليهما على التفاعل مع أحبائهما وزملائهما. رابعاً: الابتسامة العابرة وهي ابتسامة أكثر خصوصية "ابتسامة موجهة للذات"، ويمكن أن تصنف ضمن أي من الابتسامات السابق ذكرها، ولكنها ليست بالضرورة رد فعل على استحسان الجمهور أو تصفيقه أو صياحه، وهي ربما تكون بمثابة نافذة إلى حياة السياسي الداخلية رغم أنه يصعب اكتشافها لأنها عابرة وسريعة. رومني أظهر ابتسامة عابرة، حين استعاد ذكريات شبابه حين كان أصدقاؤه أكثر اهتماماً بالفرق الرياضية، التي يشجعونها من الكنيسة التي يذهبون إليها، ثم أظهر ابتسامة عابرة أخرى حين تحدث عن حقوق الأطفال وأحلامهم. وبالنسبة لأوباما، جاءت إحدى ابتسامات الرئيس العابرة بعد أن أبدى ملاحظة ساخرة مهاجماً افتقار خصمه إلى الخبرة في السياسة الخارجية. وظهرت ابتسامة عابرة أخرى حين قال إن فوز إحدى الفتيات الفقيرات بجائزة على مشروعها العلمي في إحدى الولايات الأميركية أسعده وأعطى له الأمل. فعبرت هذه الابتسامات عن مدى ما يعتمل في نفس الرئيس من مشاعر وعواطف قد تكون صادقة. باتريك إيه ستيوارت أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة أركانساس ينشر بترتيب مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"