دأبَ مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ إنشائه عام 1981 على إصدار بيانات ختامية في نهاية اجتماعات القمم التي تعقدها دوله بشكل دوري أو طارئ، وعادة ما تحمل تلك البيانات روح ود تؤكد على سياسة حسن الجوار تجاه إيران. ولم يحدث أن خرجت تلك البيانات عن المسؤولية ودقة التعبير فيما يتعلق بالسعي نحو إقامة علاقات طيبة معتمدة على حسن الجوار وحل الخلافات القائمة بالطرق السلمية ومن خلال الحوار. ففي قمة الرياض التي عقدت في عام 1981، جاء في البيان الختامي للقمة ما يلي: "ناقش المجلس النزاع القائم بين العراق وإيران وما ينجم عنه من تهديد لأمن واستقرار المنطقة بأكملها، وعبّر عن أمله بأن تتوج المساعي السلمية بالنجاح". وفي اجتماع قمة الكويت عام 1984، جاء في البيان الختامي أن المجلس "عبّر عن تأكيد دوله باستمرار بذل الجهود لإيجاد حل سلمي لها (الحرب العراقية الإيرانية)". وفي قمة مسقط بسلطنة عمان عام 1985، جاء في البيان الختامي أيضاً تأكيد على "استعداد دول المجلس باستمرار مساعيها مع الأطراف المعنية من أجل إنهاء هذه الحرب المدمرة، بما يكفل الحقوق والمصالح المشتركة للطرفين". وفي قمة الدوحة المنعقدة عام 1990، ورد في بيان القمة ما يلي: "يرحب المجلس برغبة جمهورية إيران الإسلامية في تحسين وتطوير علاقاتها مع دول مجلس التعاون كافة. ويؤكد المجلس أهمية العمل بجدية وواقعية لحل الخلافات المعلقة بين إيران والدول الأعضاء". وفي قمة الكويت لعام 1997 جاء في البيان الختامي أن المجلس الأعلى "بحث مستجدات العلاقات مع إيران معرباً عن أمله بأن تشهد المرحلة القادمة تطوراً إيجابياً وعملياً في العلاقات بين الجانبين من أجل بناء الثقة المتبادلة وتأسيس العلاقات على قواعد ثابتة بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة". وفي قمة الرياض المنعقدة في عام 2011، جاء في البيان الختامي: "أعرب المجلس عن بالغ القلق لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، ومحاولة بث الفرقة وإثارة الفتنة الطائفية بين مواطنيها، في انتهاك لسيادتها واستقلالها. وطالب إيران بالكف عن هذه السياسات والممارسات". وكان ذلك البيان هو الأكثر حدة تجاه إيران وما تمارسها من مواقف وسياسات حيال دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة بعد استفحال المشكلات بين الطرفين، ووجود بؤر للتوتر وازدياد التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول المجلس، وتعدد البيانات الاستفزازية ضد هذه الدول وخياراتها، لدرجة التهديد بحرق المنطقة وإشعالها حرباً شاملة. هذا، ناهيك عن التجارب الصاروخية التي تجريها إيران بين الحين والآخر عبر إطلاق صواريخ بعيدة المدى، علاوة على المناورات العسكرية التي اعتادت تنظيمها بالقرب من المياه الدولية، وكذلك تهديداتها المتكررة بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره ما يناهز 40 في المئة من تجارة النفط العالمية. وأخيراً توّجت إيران كل ذلك بالزيارة الاستفزازية من جانب الرئيس أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى الإماراتية العام الماضي، رغم حقيقة كونها أرضاً متنازع عليها وموضع خلاف لم يجد حلاً له بعد. أما بيان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الأخير والذي صدر عن الاجتماع الرابع والعشرين بعد المئة لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، والذي عقد في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، فقد فاق بيان قمة الرياض، وجاءت صياغته دالة ومحددة في توجيه الاتهام بشكل واضح للسياسات الإيرانية العدائية ضد دول المجلس. ويلاحظ القارئ للبيان أنه تخلى عن "القفاز المخملي". ففي رسالة واضحة جاء في مقدمة البيان الخاص بإيران أن المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية "أعرب عن رفضه واستنكاره لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، في انتهاك لسيادتها واستقلالها. وأدان المجلس في هذا الخصوص السياسات العدائية والتصريحات التحريضية التي تصدر من بعض المسؤولين الإيرانيين". وبينما كانت لهجة المجلس في قضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث هادئة، كما جاء في بيان قمة الكويت الذي "كرر أسفه الشديد لاستمرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الامتناع عن الاستجابة للدعوات المتكررة والجادة والصادقة الصادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة وعن المنظمات والهيئات والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى، الداعية إلى حل هذا النزاع سلمياً"... فإن بيان وزراء الخارجية الأخيرة جاء كالتالي: "التأكيد على مواقفه الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران للجزر الثلاث... وأكد دعم حق السيادة للإمارات على جزرها الثلاث وعلى المياه الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر الثلاث باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الإمارات... واعتبار أن أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران على الجزر الثلاث لاغية وباطلة". لكن ما الذي حدث وجعل مجلس التعاون الخليجي يغير لهجته على هذا النحو؟ وهل سئمت دول المجلس من دعواتها الوادعة لإيران دون تجاوب من الأخيرة؟ أم أن الظروف المستجدة على الأرض حتّمت تغيّرَ لهجة الخطاب؟ وهل لذلك علاقة بازدياد "سخونة" المواقف بين إيران والمجتمع الدولي، خاصة بعد تصاعد لهجة الخطاب الإيراني لدرجة تهديد المصالح الغربية في الخليج؟وهل أن عدم رغبة إيران في حل مشكلة احتلالها لجزر الإمارات الثلاث، وتدخّلها السافر في العراق، ودورها في أحداث البحرين، ودعمها لنشاط الحوثيين في اليمن، وخلافاتها مع المجتمع الدولي حول الملف النووي... هل كل ذلك هو ما حتّم تغيّر لهجة البيانات الصادرة عن مجلس التعاون تجاه إيران؟ د. أحمد عبدالملك أكاديمي وإعلامي قطري Hamsalkhafi57@hotmail.com