شكلت البنية التحتية لدولة الإمارات ودول مجلس التعاون الأساس القوي للتنمية، حيث تم تدعيم ذلك من خلال الاتفاقيات المشتركة، كالاتحاد الجمركي الذي ساهم في نمو التجارة البينية لتبلغ أرقاماً قياسية، مما يلغي عملياً الفكرة القائلة بأن تشابه اقتصادات دول المجلس يحول دون تنمية التجارة البينية والتي ستبقى محدودة لعدم وجود ما يمكن تبادله من سلع وخدمات بين هذه البلدان. وربما كانت وجهة النظر تلك صحيحة في الماضي، وذلك قبل التطورات المتلاحقة التي شهدتها العلاقات التجارية الدولية والتي تحولت معها بلدان مثل دولة الإمارات إلى عملاق تجاري تمر من خلاله معظم تجارة المنطقة، وذلك إلى جانب أن اقتصادات دول المجلس الست أصبحت أكثر تنوعاً خلال العقد الماضي، حيث أضحت صناعات وقطاعات إنتاجية عديدة في بعض دول المجلس تعتمد اعتماداً كلياً على السلع نصف المصنعة المنتجة في إحدى دول المجلس والتي تؤدي إلى زيادة القيمة المضافة أو تلك العابرة ضمن تجارة إعادة التصدير. لذلك، فلأمر لا يقتصر على تبادل السلع والخدمات الاستهلاكية بصورة أساسية، كما كان الحال سابقاً، إذ أن تكامل اقتصادات دول المجلس من جهة وانفتاح الأسواق الدولية والتسهيلات المقدمة فيها ضمن توجه العولمة من جهة أخرى، أفرزت وضعاً مختلفاً يتيح زيادة التبادل التجاري الخليجي البيني بصورة مطردة. ولاستمرار هذا النمو في التجارة الخليجية البينية، فالأمر بحاجة إلى استكمال البنية التشريعية الخاصة بتسهيل التبادل التجاري، وبالأخص التطبيق الكامل لبنود الاتحاد الجمركي والمتوقع في بداية عام 2015، كما أن ذلك بحاجة لتطوير البنية التحتية الخليجية، وبالأخص الموانئ والمطارات وشبكة الطرق، والتي ستحقق نقلة نوعية مع استكمال بناء القطار الخليجي في عام 2017. ويبدو أن التجربة الإماراتية في مجال البنى التحتية تشكل دعماً كبيراً للتجارة الخليجية البينية، فدولة الإمارات تستحوذ حالياً على 60 في المئة من طاقة الموانئ الخليجية، حيث يضم ميناء جبل على 72 رصيفاً لاستقبال السفن، ويتوقع أن ترتفع نسبة حصة الإمارات من طاقة الموانئ الخليجية لتتجاوز 65 في المئة مع بدء العمل بالمرحلة الأولى من ميناء خليفة بأبوظبي والذي افتتح نهاية شهر أغسطس الماضي. لقد أتاحت هذه البنية المتطورة وذات الطاقة الاستيعابية الكبيرة، ارتفاعَ حجم تجارة دبي غير النفطية وحدها مع دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 56 في المئة خلال النصف الأول من العام الجاري لتصل 58.5 مليار درهم، مقابل 37.5 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي. ومع افتتاح المرحلة الأولى من ميناء خليفة، فإن نقلة جديدة تنتظر التجارة الإقليمية والتبادل التجاري الخليجي البيني، خصوصاً وأنه من المنتظر أن يتم ربط ميناء خليفة والمنطقة الصناعية الملحقة به "كيزاد" بالقطار الخليجي الذي يمر عبر أراضي دول المجلس الست، مما يمنح الميناء الجديد أفضلية كبيرة من خلال ربط خدماته بمرافق الإنتاج وتلبية احتياجاتها، ليس في دولة الإمارات فحسب، بل في كافة دول المجلس. ومما يؤكد مثل هذه الأهمية لميناء خليفة والذي أُقيم في منطقة الطويلة بأبوظبي بطاقة استيعابية تصل إلى 15 مليون حاوية بحلول عام 2030 وبسعة تخزينية تصل إلى 50.5 مليون حاوية، علماً بأن منطقة "كيزاد" الصناعية تستوعب مئات المشاريع وتوفر آلاف فرص العمل، وذلك ضمن رؤية أبوظبي لعام 2030. وقدرت تكلفة المرحلة الأولى بنحو 26.5 مليون درهم، حيث يتوقع أن يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية مباشرة بعد الافتتاح الرسمي للمرحلة الأولى بداية العام القادم، مما سيتيح الوصول إلى أسواق تضم 4 مليارات نسمة، أي 60 في المئة تقريباً من سكان العالم. وبالإضافة إلى الأهمية الخاصة بتنمية التجارة الخليجية البينية، فإن ميناء خليفة سيعزز من الدور المتنامي لدولة الإمارات في التجارة الإقليمية، مما يتناسب وموقعها الجديد في العلاقات الدولية، باعتبارها دولة صاعدة وسريعة النمو.