سيتوجه الأخضر الإبراهيمي إلى سوريا خلال أيام وعندما يصل إليها تكون أجزاء كثيرة من مدنها قد دمرت، وربما يرى (وقد لا يرى) ما اقترفه النظام الحاكم من دمار وتخريب في البلاد، لكنه بلا شك سيرى ويلتقي بالأسد. ولا ندري ما هي مهمة الإبراهيمي في سوريا بالضبط، فهو يقول إنه "مع الشعب السوري"، فما الذي يستطيع أن يفعله للشعب السوري غير إقناع الأسد بالإسراع في الرحيل؟ السؤال السوري اليوم ليس متى يسقط نظام الأسد ولا كيف؟ فهو نظام في حكم الساقط، وإنما السؤال المهم هو ماذا بعد سقوط هذا النظام؟ مع العلم بصفة خاصة أن الإبراهيمي يدرك بأن جيش النظام قتل خلال فترة عمل المراقبين الذين انتشروا بموجب خطة عنان، والتي استمرت أربعة أشهر، قُتل 12789 شخصاً، منهم 1123 طفلاً و1244 امرأة، من مجموع قتلى الثورة السورية الذين يقدر عددهم بنحو 30286 قتيلاً. كل ما يستطيع الأسد فعله هو أن يبقى رئيساً لوقت أطول وأن يقتل أكثر ويدمر أكثر. فهو لا يزال قوياً من خلال إحكام قبضته على الجيش، وفي وضعيته الحالية التي تكشف ضيق نطاق الخيارات المتاحة أمامه للوصول إلى نهاية للأزمة التي يعاني منها بلده، يكون الخطر على الشعب السوري أكبر، فقوة رجل بلا أمل وليست أمامه خيارات كثيرة، تعني أنه سيدمر أكثر وربما يقضي على كل شيء تقريباً، لذا فإن مهمة الإبراهيمي الحقيقية والواقعية هي العمل على إقناع الأسد بالرحيل "في سلام" وبسرعة، فهل يبدو مثل هذا المطلب منطقياً في الوقت الحالي؟! قد لا يبدو منطقياً بدرجة كبيرة، كما أن قمة القاهرة ليست منطقية، ففي الوقت الذي طالب فيه العرب إيران بعدم التدخل في شؤون المنطقة، فإن الرئيس مرسي يضعها في صلب قضايا المنطقة وفي أكثر نقاطها الساخنة حساسية، بل يعطيها الحق في ممارسة دور لا يجب أن تمارسه أصلاً. فهل يتوقع مرسي أن تقبل طهران بالحلول التي يطرحها المجتمع الدولي والتي سبق أن رفضتها أكثر من مرة؟! وكما نعلم فقد دعا الرئيس المصري إلى قمة رباعية يوم الاثنين المقبل في القاهرة، تشارك فيها إلى جانب مصر كل من السعودية وتركيا وإيران... ثلاث دول مع رحيل الأسد ودولة مع بقائه. دولتان عربيتان ودولتان غير عربيتين. دولة يقال إنها تدعم المعارضة السورية و"الجيش السوري الحر" بالسلاح والمال، ودولة يقال إنها تدعم فصيلاً معيناً من المعارضة، ودولة تتخذ موقفاً سياسياً ضد النظام، ودولة تقف مع النظام وتدعمه بالمال والسلاح والرجال. دولة مستضيفة تعتبر النظام السوري "ظالماً"، ودولة ضيف تعتبر النظام "مظلوماً". يبدو أننا ننتظر قمةً أطرافُها ليس لديهم موقف واحد أو متقارب على الأقل تجاه القضية التي سيتناقشون حولها. ووجود إيران بموقفها المندفع تجاه الحفاظ على نظام الأسد يجعل من احتمالات نجاح هذه القمة ضئيلاً. فعلى ماذا يراهن الرئيس المصري؟ وهل تخبئ مصر مفاجآت غير متوقعة في هذه القمة؟ خصوصاً بعد أن خرجت أغلب الاجتماعات السابقة المتعلقة بسوريا بنفس النتائج تقريباً. لا جديد في محاولات حل الأزمة السورية سوى تغيير المبعوث العربي والدولي ليكون الأخضر الإبراهيمي، إنه المبعوث الجديد بعد أن فشل عنان! وما يجعل التساؤل مشروعاً، ما أعلنه الإبراهيمي قبل ذهابه إلى سوريا من أن "مهمته صعبة"! هل ستشهد سوريا استقراراً ولو نسبياً بعد سقوط نظام الأسد، كما حدث في مصر وليبيا واليمن... أم أن عدم الاستقرار والانقلابات ستكون سمة الوضع السوري كنتيجة طبيعية لتضارب المصالح الداخلية والإقليمية والدولية في هذا البلد؟! الوضع السوري خاص، وتغيير النظام في سوريا يعني تغيرات كبيرة في التركيبة السياسية للمنطقة، وتغير في قواعد اللعبة فيها، وربما تغير اللاعبين الأساسيين كذلك. ففي هذه المنطقة إسرائيل، وفيها أيضاً إيران وكذلك تركيا، أما داخل سوريا فهناك طوائف، كما توجد أسلحة كيميائية، وسيكون هناك عشرات الآلاف بل ربما مئات الآلاف من الجنود المسرحين أيضاً! الوضع السوري ليس سهلاً، لذا لا يبدو أنه توجد أمام مهمة الإبراهيمي وقمة القاهرة خيارات كثيرة، كما أن ليس أمام نظام الأسد الكثير من الخيارات. وهنا يأتي دور المجتمع الدولي بحيث يكون أكثر جدية في إنهاء معاناة الشعب السوري، وعليه أن يفعل ما بوسعه للتعجيل برحيل الأسد، ولتحقيق ذلك لابد من مساعدة الأسد وعائلته ومساعديه في الحصول على منفى يستقبلهم بعد الخروج من السلطة. كما أنه على الدول العربية والمجتمع الدولي العمل من أجل السيطرة على المخاطر التي تلي سقوط النظام ووضع حلول لأسوأ الاحتمالات والتي أهمها انتشار الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة ومساعدة اللاجئين وتأمين عودتهم. والأمر الثالث هو عدم السماح بظهور أي نوع من أنواع الانتقام الطائفي. وحتى ذلك الوقت يفترض أن يبذل المجتمع الدولي جهوداً مضاعفةً وجادةً لدعم المعارضة ومن أجل وضع تصور للحكومة لجديدة لتجنب فراغ سياسي وتجنب انهيار الدولة بعد سقوط النظام. فهذا ما يخشاه الجميع، أي تكرار سيناريو العراق.