إرسال مسبار فضائي بحجم سيارة ولديه ست عجلات، إلى سطح الكوكب الأحمر بسلام، أمر صعب وشاق بدون شك، غير أن وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" فعلت ذلك مع "كوريوسيتي". لكن ماذا عن إرسال بشر إلى المريخ؟ الواقع أن ذلك يقتضي التغلب على عدد أكبر من العراقيل والعقبات، وفي ما يلي لمحة عن بعض من أكبر التحديات التي تواجه إرسال رواد فضاء بسلام إلى المريخ، إضافة إلى الحلول الممكنة في هذا الخصوص. المشكلة الأولى: مدة الرحلة، ذلك أن رحلة بشرية اكتشافية ذهاباً وإياباً إلى المريخ، باستعمال التكنولوجيا الحالية، يمكن أن تستغرق فترة زمنية تتراوح مابين عامين وثلاثة أعوام تقريباً. وكلما سرت ببطء، كلما اضطررت إلى أن تحمل معك إمدادات وتموينات أكثر، وكلما ازدادت أيضاً احتمالات وقوع اصطدام كارثي مع أحد النيازك السابحة في الفضاء. ثم إن رواد الفضاء سيفقدون مزيداً من الكتلة العضلية والعظمية نتيجة لبقائهم مدة طويلة في بيئة تنعدم فيها الجاذبية. وعلاوة على ذلك، فإنهم سيتعرضون لكميات أكبر من الأشعة الكونية والجسيمات الطاقية الشمسية، مما يزيد احتمال إصابتهم بالسرطان. وفي هذا السياق، يقول رائد الفضاء السابق فرانكلن تشانج دياز، الذي يشترك في الرقم القياسي العالمي بخصوص أكبر عدد من الرحلات الفضائية (سبع رحلات) مع رائد الفضاء جيري روس: "إن مبعث القلق الرئيسي هو بدون شك تعرض الطاقم البشري لإشعاعات خلال مثل هذه الرحلات الطويلة في الفضاء العميق". ويضيف تشانج دياز قائلاً: "إن الرحلات الفضائية الطويلة التي ينعدم فيها الإحساس بثقل الجسم، ستضعف الطاقم بشكل كبير وتصيبه بالوهن. لذلك، فإنه ينبغي أن تكون لدى أفراد الطاقم طريقة ما، لدى وصولهم إلى المريخ، لإعادة تأهيل أنفسهم قبل الذهاب إلى العمل، وهي مهمة صعبة في بيئة جد معادية". لكن حل هذه المعضلة يكمن في تسريع سير الرحلة وبالتالي اختصار وقتها في أقل مدى ممكن. وفي هذا الإطار، يقول تشانج دياز، هو علاوة على كونه رائد فضاء فأنه كذلك عالم فيزياء متخرج من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، يقول: "إن كل هذه المشكلات يمكن أن تزول مع تقليص هام في زمن الرحلة بين الكواكب، وهو الأمر الذي يمكن أن يحدث بفضل أنظمة الدفع المتطورة، والتي يمكن أن تكون أكثر قدرة من الصواريخ الحرارية النووية والكيمياوية التي تتم دراستها اليوم". ويقوم تشانج دياز حالياً بتطوير نظام دفع متطور من شأنه تقليص رحلات البعثات الاكتشافية إلى المريخ، ذهاباً وإياباً، إلى خمسة أشهر، حيث يمكن أن يقلص هذا الصاروخ رحلة تستغرق عاماً إلى المريخ، إلى 39 يوماً فقط. ويقول تشانج دياز إن نظامي الدفع الكهربائي القوي جداً والطاقة الكهربائية النووية "يمكن أن يحدثا ثورةً في مجال النقل الفضائي عبر تقليص زمن الرحلات بين الأسفار بشكل هام". المشكلة الثانية: خطر الإصابة بالسرطان. إن رواد الفضاء الذين يسافرون إلى المريخ، أو الذين يعملون على سطحه، سيكونون معرضين لكميات كبيرة من الأشعة الكونية المجرية، وما يسميه العلماء "الجسيمات الشمسية"، حيث تحدث انفجارات شمسية تنبعث منها جسيمات ذات طاقة عالية في الفضاء الممتد بين الكواكب. والحال أن الأشعة الكونية المجرية والانفجارات الشمسية تخلق إشعاعات من شأنها زيادة احتمالات إصابة رائد الفضاء بالسرطان. وتعد التشوهات الوراثية في الأبناء، وحتى الموت، من بين الأخطار الممكنة أيضاً جراء التعرض لتلك الأشعة. أما الحل، فيكمن في ابتكار وسيلة وقاية فعالة، حيث ينبغي أن تكون المركبات الفضائية التي توصل رواد الفضاء إلى المريخ، وتشكل مسكنهم على سطحه، مزودة بوسيلة حماية كافية لمنع الإشعاعات الفضائية. وعليه، فإنه سيتعين أن يكون الدرع التقليدي المصنوع من الألمنيوم كثيفاً، وبالتالي ثقيلاً جداً، أي غير عملي. ولذلك، فإن الاختيار الأفضل ربما يكمن في الماء الذي يمتص الإشعاعات. وفي هذا الإطار، يقول دون هاسلر من "معهد ساوث- ويست ريسورتش" في بولدر بولاية كاليفورنيا الأميركية: "إن إحدى الأفكار المطروحة تتمثل في جعل الجدران في المكان الذي تخزن فيه ماءك، أى خزانات الماء المصاحبة لرائد الفضاء". وبالتالي، فإن نظاماً لاستعادة الماء مثل ذلك الموجود في المحطة الفضائية الدولية، سيكون ضرورياً من أجل إعادة ملء الخزانات. كما أن وقود الهيدروجين المسال يمكن أن يمثل وسيلة حماية فعالة أيضاً. أما على سطح كوكب المريخ، فيمكن استعمال التراب والغبار والصخور والصخور المسحوقة حول الموقع الذي تهبط فيه المركبة، استعمالها لتغليف الألمنيوم أو مساكن رواد الفضاء. كما قد تتطلب البذلات الفضائية التي يتم ارتداؤها خلال الخرجات، بعض التعديلات الضرورية من أجل توفير حماية كافية من الإشعاعات. ولهذا الغرض، يمكن ارتداء سترات مائية متينة تحت البذلات الفضائية، كما يمكن استعمال طبقة رقيقة من مادة البوليثين في البذلات. ويمكن أيضاً طلي مقدمة الخوذة بطبقة حماية خاصة من أجل تقليص احتمالات تعرض بصر رواد الفضاء للأذى. تود هالفورسون صحفي أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"