كم من الثمن ستدفعه فلسطين عربون "ربيع عربي" أصاب إسرائيل في مقتل؟ الحقيقة تقول إن الفلسطيني هو صاحب الجيب المثقوب والذي يدفع ضريبة تخاذل العرب وانتصاراتهم. ففلسطين اليوم تقتل كالعادة، تمارس ضدها إسرائيل هوسها الدموي المعتاد، بينما تحرص صحفنا العربية على تكريس منطق الضعف الفلسطيني وقوة الجانب الإسرائيلي! الخبر يقول إن هناك ستة قتلى فلسطينيين في ريعان شبابهم، وإن إسرائيل هي من نفّذ المجزرة، لكنه لم يذكر أن الشهداء يُزفّون للسماء، وأن الفلسطيني لا يستسلم، وأن بطولاته فاقت وصف الأساطير عن أبطال تاريخيين تحولوا على مر التاريخ إلى رموز. الفلسطيني لا يشكو إسرائيل وحدها وتعديها على أرواح أهله، بل يشكو حكومة لم تقدم له سوى مزيد من الشتات والتفرقة والبطالة والجوع. لم يستوعب الإعلام لعبة شحذ الهمم للفلسطينيين الشجعان، بل يكرر ما تقوله وكالات أنباء أجنبية مهمتها تكريس فكرة جانب القوة لدى إسرائيل. وهناك اليوم شباب فلسطينيون يعتصمون في رام الله، ويدعون لمحاسبة الفساد والمفسدين، لمْ يعْنِهم الانتماء السياسي لأي طرف، بل ما يعنيهم هو الحياة الكريمة ورفض سياسة التجويع والإفقار. إسرائيل المتغلغلة في الهم الفلسطيني لم تصل إلى حد تكسير عظام الشاب الفلسطيني في موقف كهذا، إذ تدرك تماماً أنها أفلست في إخضاعه وتركيعه. لكن يبدو أن بعض رموز الحكومة الفلسطينية يساهم بشكل أو بآخر في تحقيق مآرب أخرى بات واضحاً أنهم لن يستطيعوا الوصول إليها رغم محاولاتهم على مر السنوات الأخيرة. الشاب الفلسطيني الذي يطالب بإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية مع إسرائيل، استطاع أن يحول مدن بيت لحم والخليل ونابلس إلى مدن مشتعلة بالمسيرات، والتي فاق بعضها 12 ألف مشارك، وهو رقم مختلف ستحسب له إسرائيل ألف حساب. ويمكن القول إن جرأة الشاب الفلسطيني أفزعت إسرائيل، خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي تضج اليوم بأسماء شباب ليس لهم أي انتماء سياسي سوى الرغبة في العيش الكريم. ولن ينتصر الفلسطيني بالبندقية، لأن عتاد العدو أشرس وأقوى، لكنه سينتصر بإرادته الحديدية التي باتت تدرس كأسلوب للحياة الإيجابية رغم كل الضغوط والحصار والموت المحيط بالفلسطيني. الوعي الذي يمكن قراءته في حراك الشباب الفلسطيني وعي يدعو إلى فهم معطيات الواقع الفلسطيني نفسه من خلال أولئك الشباب اليافعين الذين يرون الواقع بكل عناصر ضعفه وقوته. وهذا يدعو أيضاً إلى توقع مستقبل مبشر للقضية الفلسطينية، فما يقال وما يمارس يعطي فكرةً جليةً عما سيحدث غداً، وكيف أن نصر الفلسطينيين قادم لا محالة. ربيع فلسطين مختلف عن أي ربيع عربي آخر، إنه أجمل وردة وأينع زهرة، رغم أن العدو يقف منه على مرمى حجر وأصحاب المصلحة في بقاء الوضع الحالي يعيشون بين ظهرانيهم. فلله در فلسطين، كم أنجبت وتنجب من أبطال!