حكومة جديدة في الجزائر يترأسها عبد المالك سلال الذي تسلم -الثلاثاء الماضي- مهام منصبه خلفاً لأحمد أويحيى، في تغيير وزاري كان منتظراً عقب الانتخابات النيابية قبل أربعة أشهر، لكنه تأخر ليأتي مترافقاً مع عملية جديدة لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية إثر إعلان حركة "مجتمع السلم"، وبقية الأحزاب الإسلامية الأخرى، امتناعها عن المشاركة في الحكومة الجديدة. وقد أعلن بيان لرئاسة الجمهورية أن بوتفليقة عيّن سلال رئيساً للوزراء، وأنهى مهام أويحيى الذي قاد الحكومة منذ مايو 2008. فما هي أولويات أجندة أعمال رئيس الوزراء الجزائري الجديد وحكومته؟ وكيف يُنظر إليه في أوساط النخبة الجزائرية؟ وهل يملك الكفاءة المهنية والفكرية للتعاطي مع هذه النخبة من جهة، ومع مشكلات الواقع الجزائري من جهة ثانية؟ في أول تصريح إعلامي لسلال بعد تسلم مهام منصبه، أعلن أن مواصلة تطبيق الإصلاحات، وإنجاز برنامج رئيس الجمهورية، سيشكلان الأولوية بالنسبة لحكومته، وأنه سيعمل "كل ما بوسعه"، وبمعية أعضاء الطاقم الحكومي، حتى يكونوا في مستوى الثقة التي منحهم إياها الرئيس بوتفليقة. وبالإضافة إلى "مواصلة إنجاز برنامج رئيس الجمهورية في الميدان"، تحدث سلال عن ضرورة إعطاء "نفس جديد" فيما يتعلق بتطوير الاقتصاد الوطني، مؤكداً أهمية "تطوير القدرات الإنتاجية في جميع المجالات الاقتصادية"، و"تحسين الخدمات العمومية". هذا، ومن المهمات الأخرى التي ستسند إلى حكومة سلال، الإشراف على تنظيم انتخابات المجالس البلدية والولائية المقررة في 29 نوفمبر المقبل، وإدارة مشاورات وطنية بهدف تعديل الدستور والاستفتاء عليه خلال النصف الأول من 2013، إضافة إلى تهيئة الأجواء لتنظيم الانتخابات الرئاسية في عام 2014. ويعتقد كثير من المحللين الجزائريين أن سلال هو رجل المرحلة الحالية وأن تعيينه جاء في الوقت المناسب، فهو أحد المقربين من بوتفليقة، ومن أبرز الوجوه التكنوقراطية في الجزائر، كما أنه مستقل وغير محسوب على أي تيار سياسي، إلى جانب طباعه الهادئة وعلاقاته الجيدة بمعظم الشخصيات والقوى السياسية، وصِلاته التي لم تنقطع منذ سنوات طويلة بقادة المؤسسة الأمنية والعسكرية. وقبل هذا وبعده، خبراته الإدارية والدبلوماسية الكبيرة التي اكتسبها خلال ثلاثين عاماً الماضية، حيث عمل والياً على عدة ولايات جزائرية، وأمضى بعض الوقت سفيراً، وتولى عدة حقائب وزارية بينها الداخلية. وقد ولد عبدالمالك سلال في قسطنطينية (430 كلم إلى الشرق من الجزائر العاصمة) عام 1948، وتخرج من المدرسة الوطنية للإدارة في الجزائر عام 1974، شأنه شأن سلفه أحمد أويحيى، وإن كان يصغره بأربع سنوات. وككل خريجي المدرسة الوطنية للإدارة، فقد تم تعيين سلال في بداية مشواره المهني متصرفاً إدارياً في ولاية "قالمة" بالشرق، قبل تعيينه رئيساً لدائرة إدارية (هيئة تحكم عدة بلديات)، ثم والياً لأول مرة على ولاية آدرار عام 1984، ومن بعدها تنقل والياً بين عدة ولايات جزائرية أخرى، هي سيدي بلعباس ووهران وبومرداس، وأخيراً الأغواط التي انتقل منها ليصبح والياً فوق الإطار في وزارة الداخلية عام 1989. لكن سلال نُقل من الداخلية إلى الخارجية عام 1994 حيث أصبح مديراً للموارد البشرية، ثم وكيلاً للوزارة في العام التالي، قبل اختياره في عام 1996 سفيراً للجزائر في بودابيست. ومن هناك تم استدعاؤه في عام 1998 ليتولى أول حقيبة وزارية في حياته المهنية، وهي "وزارة الداخلية والجماعات المحلية والبيئة" التي نظمت انتخابات الرئاسة لعام 1999، والتي فاز بها عبدالعزيز بوتفليقة. ومن بعدها تولى وزارات الشباب والرياضة (1999- 2001)، والأشغال العمومية (2001- 2002)، والنقل (2002 -2004) وأخيراً الموارد المائية (2004 -2012)، حيث يثني سكان الجزائر العاصمة على جهوده في إنهاء أزمة مياه الشرب التي عانوا منها على مدى سنوات طويلة. وثمة عامل آخر لا يقل أهمية في اختيار سلال لرئاسة الحكومة الجزائرية، وهو علاقته بالرئيس بوتفليقة، والتي توطدت حين كلّفه بإدارة حملته الانتخابية الرئاسية مرتين، في عامي 2004 و2009، لكونه غير محسوب على أي من الأحزاب التي ساندته منذ انتخابه لأول مرة عام 1999، لاسيما حزب "جبهة التحرير الوطني" بزعامة عبدالعزيز بلخادم، وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده أحمد أويحيى. فالأول رغم فوزه بالانتخابات النيابية في مايو الماضي، إلا أنه عانى ويعاني من حركة تمرد داخلي ضد بلخادم. أما العلاقة بين أويحيى وبوتفليقة فدخلت مرحلة الأزمة الصامتة منذ عدة أشهر. ومعلوم أن ثلاث شخصيات فقط تولت رئاسة الحكومة في الجزائر منذ عام 2000، هي علي بن فليس (2000 -2003) مدير حملة بوتفليقة في انتخابات 1999 وأمين عام "حزب جبهة التحرير الوطني" أكبر حزب ممثل في البرلمان، وأو يحيى (2003-2006 ثم 2008-2012)، وهو زعيم ثاني أكبر حزب، ثم بلخادم (2006-2008) الزعيم الحالي لـ"حزب جبهة التحرير" ومهندس التعديلات الدستورية التي سمحت لبوتفليقة بولاية رئاسية ثالثة. لذلك فمن المؤكد أن سلال شخصية محسوبة على بوتفليقة، وأنه في الوقت ذاته مقرَّبٌ من "المربع الضيق في السلطة"، مصنع الرؤساء وكبار المسؤولين في الدولة، أي قادة الجيش والمخابرات. والأرجح أن اختياره رئيساً للوزراء، يمثل مؤشراً على مرحلة توافق أخرى بين الرئاسة والأجهزة الأمنية، لاسيما وقد تم تداول اسمه عدة مرات كلما جرى طرح تغيير الحكومة. وفيما يخص الحكومة الجديدة، والتي أصدر الرئيس بوتفليقة قراراً الثلاثاء الماضي بتشكيلها، فقد ضمت 36 عضواً أغلبهم كانوا وزراء في الحكومة السابقة، خاصة الوزارات السيادية. لكن أبرز الخارجين كان بلخادم، وزير الدولة والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، والذي ظل إلى جانب بوتفليقة طوال 13 عاماً الماضية، لكنه يعاني من معارضة داخل حزبه يبدو أن بوتفليقة آثر الابتعاد عن تداعياتها المتوقعة. ومع ذلك فالانطباع العام هو أن حكومة سلال ستكون مؤقتة، دون أن يقلل ذلك من أهميتها، باعتبار أن الأشهر القادمة ستشهد إعداد دستور جديد للبلاد، وإقرار ميزانية السنة المقبلة، وبعض القوانين الإصلاحية الأساسية لتجنيب الجزائر رياح "الربيع العربي" التي عصفت بعدد من جيرانها. محمد ولد المنى