منذ أن بدأ ما يعرف بـ"التغيير العربي"، سمعنا الكثير يرددون كلمات تشير إلى أن هناك من لا يريدون استيعاب أن الحراك ربما بدأ، وأن ثمة متطلبات في الدول التي شهدت تغييراً، لدى جيل الشباب المنفتح على حضارات ودول العالم المتقدم. الباحثون في مجال التغيير يركزون على الاهتمام بمتطلبات جيل الشباب الطامح وتحقيق أحلامهم، فإهمال تلك المتطلبات أدى إلى حراك سلمي كما شهدناه في تونس ومصر، أو دموي كما كان في ليبيا وهو قائم اليوم في سوريا عجل الله فرجها. السؤال الذي يطرح نفسه في تصوري: ما هي هذه المتطلبات؟ المجتهدون في الإجابة على هذا السؤال كثيرون منهم من لخص إجابته في دغدغة العواطف فمنهم من لخص المتطلبات في الشؤون المادية، وآخرون بحثوا في أعماق الحدث، ونجحوا في فهم جذور القضية. هؤلاء أجمعوا على أمور أهمها: المشاركة والتنمية والعدالة. المشاركة في بناء مستقبل الأوطان، وكلمة مشاركة لا تتلخص في الديمقراطية فقط، كما يتصور البعض، الديمقراطية قد تكون الحل العملي للدول المليونية، والتي لاتوجد بها حكومات مستقرة راض عنها شعبها، كما أن الديمقراطية قد تفشل في دول تحركها جماعات وأحزاب ضيقة الأفق ترفض وجود الرأي الآخر. فإذا كانت المشاركة لا تتلخص في الديمقراطية، فواجب كل دولة أن تعلن الوصفة المناسبة لها، والتي تراعي خصوصية المجتمع، وفي الوقت نفسه، لا تجعل ذلك الوطن في مهب الريح أو بعيداً عن طموحات جيل المستقبل. التنمية المستدامة، هي الركيزة الثانية في هذا الإطار، فقد هرمت بعض الشعوب العربية وهي تسمع أجهزة الإعلام الرسمية تصبِّحُها وتُمسيها بشعارات حول التنمية، وهي تتلخص في حقيقة الأمر في استغلال ثروات الشعوب وتوجيهها نحو مصالح الزعيم، وفي المقابل فإن الشعب يعيش ضنك العيش... أخبرني أحد زملائي الليبيين أنه هاجر من وطنه قبل ثلاثين سنة، فلما عاد له، وجده في حال أسوأ مما تركه عليه، والأمر متكرر في العديد من الدول الفقيرة منها والغنية. التنمية المستدامة لها شقان أساسيان هما البنية المادية للمجتمع أو ما يعرف بالبنية التحتية، والجانب الآخر يتمحور حول الإنسان من حيث التعليم والصحة ذات الجودة العالمية والعمل على تأمين وظائف لجيل المستقبل الذين تزهو بهم مؤسسات التعليم العالي اليوم. العدالة هي البعد الثالث المهم في أجندة الحكومات الناجحة، فلا يوجد أخطر من الظلم في هد عروش الحكومات. المظلوم له دعوة لاترد، وله دافع يجعل الموت أحب إليه من الحياة وقد سمعنا هذه الشعارات في دول التغيير العربي. إن مراجعة حقوق الإنسان في الأوطان، وعدم التمييز سواء في القضاء والقانون أو فرص العمل أصبح ذلك مطلباً أساسياً للشعوب العربية.