يعتبر حزب "بهاراتيا جاناتا" وحزب "المؤتمر" الحزبيين السياسيين الرئيسيين على المستوى الوطني في الهند. غير أن العلاقات بين هذين الحزبين تدهورت إلى أسوأ مستوى خلال الآونة الأخيرة، وذلك على خلفية قضية باتت تعرف بين وسائل الإعلام الهندية بـ"كوول جيت"، أو "فضيحة الفحم". بهذا الشهر، أعلن مراقب الدولة في الهند أن الحكومة منحت عدداً من تراخيص استغلال مناجم الفحم بأسعار أقل بكثير من أسعار السوق، مما تسبب في خسارة بمليارات الدولارات للخزينة العامة. كما كشف مراقب الدولة في تقريره أن تراخيص استغلال مناجم الفحم منحت لشركات خاصة وعامة منذ يوليو 2004 على أساس توصيات من بعض الحكومات المحلية وإدارات أخرى وفي خرق لشرطي الشفافية والموضوعية. وقد فجر التقرير معركة سياسية حامية الوطيس بين الحزبين السياسيين المتنافسين، مما أثار تكهنات بإمكانية أن تشهد الهند انتخابات مبكرة العام المقبل بدلاً من موعدها المقرر في 2014. والواقع أن ما منح أحزاب المعارضة ذخيرة كلامية هي حقيقة أن رئيس الوزراء مانموهان سينج كان هو نفسه يشرف على وزارة الفحم خلال الفترة من 2006 إلى 2009. وعلى الرغم من أن مراقب الدولة لم يحمِّل رئيس الوزراء المسؤولية، فإن حزب "بهاراتيا جاناتا"، لم يكن يرغب في إضاعة فرصة ثمينة كهذه لمحاصرة الحكومة وتسجيل بعض النقاط السياسية. وهكذا، قامت المعارضة، وعلى مدى أسبوعين بتعليق كل الإجراءات التشريعية في البرلمان مطالبةً باستقالة رئيس الوزراء. غير أن رئيسة حزب "المؤتمر" سونيا غاندي لم يرهبها تصرف المعارضة، بل إن " سونيا"، التي تعتبر من وجهة نظر كثيرين في الهند، سياسية متحفظة، أخذت الآن ترد على المعارضة بشراسة، حيث طلبت من أعضاء البرلمان المنتمين إلى حزبها مواجهة حزب بهاراتيا جاناتا بشراسة مماثلة. وهذا ما يفسر لماذا شهد البرلمان هذا الأسبوع بعض المشاهد غير المألوفة في وقت حاولت فيه الحكومة المضي قدماً في الإجراءات البرلمانية حتى في وقت كان فيه مشرعو المعارضة يصيحون ويلوحون بأيديهم في الهواء ضد مواصلتها. ومما لا شك فيه أن الأحزاب السياسية في بلد كبير مثل الهند تشرع في الاستعداد للانتخابات قبل موعدها بوقت طويل. وعلى هذه الخلفية، انضم خلال الآونة الأخيرة حليف مهم لحزب "المؤتمر" الحاكم، هو السياسي "مولايام سينج ياداف" من حزب "سماجوادي"، أيضاً إلى أحزاب المعارضة في المطالبة بتحقيق في موضوع منح تراخيص استغلال مناجم الفحم. كما قامت أحزاب المعارضة بالاحتجاج داخل البرلمان مطالبةً بفتح نقاش حول مسألة منح تراخيص استغلال مناجم الفحم. والآن يقول كل من حزب "باهاراتيا جاناتا" وحزب "المؤتمر" الآن إنهما يعتزمان إحالة الموضوع مباشرة إلى الشعب. والواقع أن حزب "بهاراتيا جاناتا أيضاً ليس في وضع جيد اليوم ولديه نصيبه من المشاكل كذلك. فهو لم يصل إلى السلطة على المستوى الفيدرالي منذ 2004؛ ويواجه صراعاً داخلياً على السلطة بين زعمائه من الدرجة المتوسطة؛ كما أنه يفتقر إلى أجندة واضحة. ذلك أنه لم يجد تأييداً كبيراً لأجندته اليمينية المتطرفة ولذلك فإنه يحاول الآن تخفيفها وتلطيفها. وعلاوة على ذلك، فبعد رئيس الوزراء السابق "أتال بيهاري فاجباي"، لم يعد لدى "بهاراتيا جاناتا" زعيم آخر يمكن أن يقدمه كوجه ليبرالي للحزب. ثم إن الحزب ليس في وضع سيء من الداخل فحسب، بل إنه لم يكن قادراً أيضاً على الحصول على دعم حلفائه في المعارضة من أجل تأييد قراره بتعليق البرلمان.وعلاوة على ذلك، من غير المرجح أن حلفاء حزب "المؤتمر" مثل "تريتامول سيرغبون" في الدفع في اتجاه انتخابات مبكرة في هذه المرحلة. ومما لا شك فيه أن الحكومة الائتلافية بزعامة حزب "المؤتمر" تواجه عدداً من المشاكل الشائكة، من زيادة التضخم وارتفاع الأسعار إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. كما أن الحكومة مازالت في حاجة إلى احتواء تداعيات عدد من الفضائح، من بيع تراخيص الاتصالات بأسعار زهيدة إلى منح عقود ألعاب الكومونولث بأسعار ضخمة. غير أن محاصرة أحزاب المعارضة للبرلمان أدت كذلك إلى وقف النقاش حول تشريعات مهمة مثل فتح قطاع المعاشات أمام اللاعبين الخواص وتحديث قوانين اقتناء الأراضي. وفي الأثناء، طلبت رئيسة حزب المؤتمر "سونيا غاندي" في اجتماع داخلي للحزب من المشرعين المنتمين للحزب التصدي لحملة حزب بهاراتيا جاناتا بشراسة. وفي الوقت الراهن، يعتزم كلا الحزبين إرسال عمال ومناضلي الحزب إلى الجمهور من أجل شرح وتفسير موقفهم من قضية مناجم الفحم. وعلى الرغم من أن انتخابات 2014 مازالت تفصلنا عنها مدة 22 شهراً، وهناك ما يكفي من الوقت حتى يشرح حزب "المؤتمر" للشعب الهندي مواقفه من قضايا مختلفة، إلا أنه ما من شك في أن العلاقات بين حزب "المؤتمر" وحزب "بهاراتيا جاناتا" قد تردت إلى مستوى لم يعد فيه الحزبان الوطنيان الرئيسيان يرغبان حتى في الجلوس والنقاش أو البحث عن طريق للخروج من المأزق الحالي. والحال أنه يتعين على كلا الحزبين إيجاد طريق للخروج من هذا الوضع وضمان سير أعمال البرلمان بسلاسة من أجل مناقشة تشريعات مهمة مثل تلك المتعلقة بإصلاح قوانين شراء الأراضي والمعاشات.