في تقديري، أنه علينا أن نراجع البحث عن الطرف المسؤول عن جريمة اغتيال 17 جندياً مصرياً وهم يتناولون طعام الإفطار في رمضان في موقعهم على الحدود. دوافعي لدعوة المراجعة متعددة: فلقد انصب التفكير العام على الجماعات التكفيرية المسلحة المتمركزة في جبال سيناء، ومن هنا أن الأصوات التي أشارت آنذاك إلى مسؤولية جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" عن الجريمة، بالتحريض، أو التحريك، أو المشاركة، بدت ضعيفة. أهم دوافع المراجعة بعد مرور شهر على الجريمة، هي تلك الرأس البشرية المنفصلة التي عثر عليها أهالي سيناء في القسيمة بالمنطقة الوسطى، والتي نشرت صورتها صحيفة "الأخبار" المصرية بتاريخ الثاني من سبتمبر. لقد أوضح محققو الصحيفة أن الرأس لبدوي معروف، وأنه تلقى عقابه من جماعة مسلحة تعمل في سيناء ضد إسرائيل، تحمل اسم "أنصار بيت المقدس". لماذا عوقب الرجل؟ قال التحقيق الصحفي، إنه كان يعمل جاسوساً، وإنه تعاون مع اثنين من زملائه ومع ضباط "الموساد" في ترتيب عملية اغتيال شخص ينتمي إلى الجماعة المذكورة يدعى "إبراهيم عويضة بركات"، وذلك بزرع لغم أرضي في طريقه المعتاد. قد تبدو هذه المسألة بعيدة عن جريمة اغتيال الجنود المصريين في رمضان، ولكنني أتوقف عندها لأنها تكشف لنا عن وجود خلايا من البدو تابعة لـ"الموساد"، تتحرك في أرجاء سيناء وتستضيف ضباطاً إسرائيليين في الخفاء لمساعدتها في المهام التي توكل إليها داخل الأراضي المصرية. إن كشفاً مذهلاً من هذا النوع يستدعي على الفور تساؤلاً يقول: هل يمكن أن يكون من قاموا بجريمة قتل الجنود المصريين في رمضان والذين ما زالوا مجهولين، هم من عملاء "الموساد"؟ السؤال يحتمل الإجابة بنعم، ويقودنا إلى سؤال آخر: ما مصلحة الاستخبارات الإسرائيلية في قتل الجنود المصريين؟ والإجابة تشير إلى أن لإسرائيل مصلحة في دفع قوات الأمن المصرية إلى الهجوم على قواعد التكفيريين في سيناء، لأنهم اعتادوا مهاجمة المواقع الإسرائيلية من داخل سيناء. وهنا يرد السؤال الثالث: وماذا عن المدرعة المصرية التي اختطفها القتلة من المعسكر المصري واقتحموا بها الحدود الإسرائيلية، وماذا عن الجثث السبعة المتفحمة التي كانت بداخلها عندما قصفتها الطائرات الإسرائيلية وتم تسليمها للسلطات المصرية؟ الإجابة هنا يمكن العثور عليها في تاريخ الاستخبارات في العالم، والذي يسمح لنا بتصور أن خلية تابعة لـ "الموساد" نفذت جريمة قتل الجنود واختطاف المدرعة والدخول بها إلى الحدود الإسرائيلية، أما الجثث المتفحمة فيسمح تاريخ الاستخبارات لنا بأن نتصور أنها لأشخاص موتى أصلاً تم وضعهم في المدرعة قبل قصفها بالقنابل الحارقة عمداً لإخفاء معالم الأشخاص، والادعاء بأنهم هم أنفسهم الذين قتلوا الجنود المصريين واختطفوا المدرعة. إن مراجعة كتب الاستخبارات في العالم تكشف لنا عن أعاجيب من هذا النوع وأكثر، وبالتالي يصبح تساؤلنا بعد شهر من جريمة اغتيال الجنود المصريين في رمضان تساؤلاً واقعياً، يجب التعامل معه بجدية. إن الدافع الثاني للمراجعة هو هذه الشهادات التي حصل عليها أعضاء الوفود السياسية والشعبية المصرية التي ذهبت إلى سيناء، واجتمعت برؤساء المنظمات السلفية المسلحة، وجاءت شهاداتهم تنفي تورط هذه الجماعات في الجريمة، وتؤكد وعيها بخطورة استفزاز الجيش المصري بمثل هذه الجريمة. إنني أقترح ضرورة المراجعة لجمع البراهين التي ترشدنا على نحو يقيني لمعرفة الجناة، وهل هم التكفيريون أم "الموساد"؟