سررت جداً للقرار الذي أصدره مجلس الوزراء بخصوص اعتماد إنشاء "المجلس الاستشاري للغة العربية"، والذي سوف تتركز مهمته في اقتراح ومناقشة المشاريع والمبادرات الرامية إلى تطبيق توصيات ميثاق اللغة العربية، والتنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة لتطبيق الميثاق، وتقديم تقرير دوري إلى رئيس مجلس الوزراء بشأن التقدم المنجز في تطبيق الميثاق. لقد آن الأوان لأن نعمل جميعاً بكل ما نستطيع لخدمة اللغة العربية، وإصلاح مكامن الخلل الذي تعانيه منذ عقود، لاسيما في مجال التعليم، وأن توجد سياسة واضحة للمحافظة على هذه اللغة التي تميزنا عن غيرنا، وأن نبرزها بكل الوسائل والطرق... لأن دول العالم بأكملها باتت تعمل من أجل المحافظة على لغاتها الوطنية. فاللغة هي الوعاء الذي يحمل ثقافة الأمة وهي المنتج للمعرفة والفكر، هي ذاكرة المجتمع وروحه وتاريخه وتراثه وحضارته، وهي أساس الهوية وأداة التواصل والتخاطب بين أفراد المجتمع. إن الاهتمام باللغة العربية لم يعد قضية لغوية فقط، بل هو موضوع حضاري يتعلق بالأمن الوطني للمجتمع، وهو شرط أساسي للتنمية والتطور بمعناه الصحيح. وهذا ما يؤكد عليه المختصون وخبراء التنمية، إذ إن التقدم لا يحدث إلا باعتماد اللغة الوطنية. وتجارب العالم بأكمله برهنت على ذلك، فالدول التي اعتمدت اللغة الأجنبية على حساب لغتها الوطنية فشلت في تحقيق التنمية، عكس الدول التي اعتمدت لغتها الوطنية في التعليم والعلم والإدارة، مثل اليابان والصين وكوريا. اللغة العربية تعاني أزمة خطيرة، لاسيما بعد أن انخفضت ساعات تدريسها في المدارس والجامعات، وزاد انتشار المدارس والجامعات الأجنبية، وأصبحت غالبية قطاعات العمل تعتمد الإنجليزية على حساب العربية. ومن الأمور التي ينبغي التنبه لها، ما أشارت إليه "أميلا نادو" في مقالها المنشور بصحيفة "جلف نيوز" (بتاريخ2011/2/27) تحت عنوان "تدريس اللغة الإنجليزية يأتي بثمن"، من أن اعتماد الإنجليزية كلغة للتدريس بدل العربية، يمثل تهديداً مباشراً للغة العربية والهوية الوطنية، وأن المطلوب من مطوري المناهج إعادة التفكير في سياسات التعليم باللغة الإنجليزية في الجامعات. الدكتور عكاشة بن المصطفى، أشار هو الآخر في دراسة حول "تأثير اللغة الفرنسية على المستوى القيمي والاجتماعي والتعليمي في المغرب"، وقد نشرتها مجلة "المستقبل العربي" (أغسطس 2012)، إلى أن أحد أسباب فشل السياسة التعليمية، هو منح اللغة الفرنسية مرتبة أعلى من اللغة العربية، وهو ما كان له دور في التأثير على المسار التعليمي؛ ذلك أن أكثر من 80 في المئة من الطلاب الدراسين لهذه اللغة لا يفهمون ما يدرس لهم، وأن أزيد من نصف طلاب السنة الأولى علوم لا يفهمون درس العلوم الملقن بالفرنسية، حيث يلجؤون إلى ترجمة الدروس قبل مراجعتها، وأن تدريس العلوم في الجامعات باللغة الفرنسية أثبت فشله. لقد اخترقت اللغات الأجنبية التعليم والإدارات الحكومية والخاصة ووسائل الإعلام والمؤسسات والشركات وإعلانات الشوارع... والكثير من مظاهر الحياة. ونحن لسنا ضد تعليم اللغات الأجنبية كضرورة عصرية، لكن بشرط ألا تكون بديلاً عن اللغة الوطنية أو منافساً لها في التعليم والحياة العملية والاجتماعية، بل إن تكون لغة للتكامل والضرورة، لأن اللغة العربية هي وسيلتنا لبناء روح عالية وقوية من التلاحم والوفاق الاجتماعي. لذلك أقترح إيجاد وقف دائم لدعم اللغة العربية تشارك فيه الدولة ورجال الأعمال والأفراد ومؤسسات المجتمع المختلفة، فالعربية هي لغة القرآن وروح الشعب وذاكرته وأساس هويته.