بين نهاية الحرب الباردة عام 1990 وانتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة عام 2008، فترة شهدت خلالها منطقة الشرق الأوسط الكثير من الأحداث الجسام؛ منها حرب تحرير الكويت، واندلاع حربي أفغانستان والعراق، وبروز مبدأ الحرب الاستباقية، وطرح شعاري "الشرق الأوسط الجديد" و"الفوضى الخلاقة"، وإطلاق يد إسرائيل في المنطقة..! لكن السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة خلال هذه الفترة، كما يوضح كتاب "التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط"، لمؤلفيه أمين المشاقبة وسعد شبلي، عانتمصاعب ومعيقات لم تستطع تخطيها، أو التغلب عليها، هي ما يناقشه ويحلله المؤلفان عبر تتبع الأحداث التي مرت على المنطقة بشكل عام، مع تركيز على العراق بشكل خاص، خلال فترة الـ18 عاماً المذكورة. وقبل ذلك يمهد الكتاب بعرض العوامل التي أسست للاهتمام الأميركي بالمنطقة (إسرائيل، والنفط)، وسياسات واشنطن الخارجية من مرحلة إلى أخرى، قائلين إن الحدث الذي ترك آثاراً عميقة على العلاقات العربية الأميركية هو اعتراف الولايات المتحدة بدولة إسرائيل في مايو 1948. ثم حظيت المنطقة بأهمية كبيرة لدى صانع القرار السياسي الأميركي خلال مرحلة الحرب الباردة، سعياً لاحتواء النفوذ السوفييتي في المنطقة، ولاستمرار تدفق النفط العربي، ومن أجل دعم إسرائيل عبر الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي، إلى جانب الحفاظ على الأسواق التجارية في المنطقة. وفي هذا السياق، يذكر الكتاب أنه تم تبني استراتيجية أميركية لاحتواء النفوذ السوفييتي اعتماداً على مبدأ ترومان الصادر عام 1947، علاوة على سياسة حافة الهاوية المتبعة من "الناتو" عقب قيامه عام 1949، وسياسة الانتقام الشامل في عهد إيزنهاور الذي أنشأ حلف بغداد عام 1954. وفي معرض نقاشه "التحدي العراقي للخروج من المظلة الأميركية"، يتناول الكتاب حرب الخليج الثانية عام 1991، ويتطرق لأسباب شن الحرب، والأبعاد الدولية لقيامها، وما أفضت إليه من نتائج. كما يتناول احتلال العراق عام 2003، ويتعرض لسياسة احتواء العراق، ثم مرحلة المواجهة العسكرية، ونتائج الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين، قبل تعرضه لتطورات القضية الكردية على الساحة التركية، ثم على الساحة العراقية، وللتهديدات التركية المتكررة باقتحام شمال العراق. كما يتوقف عند ظاهرتي الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، متسائلاً حول أسباب الإرهاب، ومستعرضاً فلسفة الحرب الأميركية ضده. وفيما يخص أسلحة الدمار الشامل، يتناول المؤلفان سياسة الولايات المتحدة في الحد من الانتشار النووي، ويتعرضان للتحدي النووي الإيراني، ويشرحا الاستراتيجية النووية الأميركية. ومن ذلك ينتقلان إلى "التحدي الإيراني والقوى المحلية الصاعدة في الشرق الأوسط"، فيستعرضان صعود إيران كقوة إقليمية، ويتوقفان بصفة خاصة عند التجاذب الإيراني الأميركي في الصراع على الشرق الأوسط، ويشرحان الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، ودور إيران في إشكاليات الأمن الإقليمي. هذا قبل أن يتناولا قوى محلية أخرى في المنطقة، مثل "حزب الله" و"حماس" وقوى سياسية شيعية عراقية، ثم يتطرقا للتحالف الإيراني السوري. وفيما يخص التحديات التي تعترض الدعم الأميركي لإسرائيل، يتعمق الكتاب في الأوجه الاقتصادية والسياسية والعسكرية لذلك الدعم، ويلقي الضوء على الجذور الأيديولوجية لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، والظروف التي أحاطت بولادته. وأخيراً يتحدث الكتاب عن حدوث إخفاقات في السياسة الشرق أوسطية لأميركا، فرضت تحديات أمنية مثل: ظهور الرفض العراقي للمظلة الأميركية، وبروز قوى إقليمية ومحلية في الشرق الأوسط، وأطراف دولية وإقليمية دفعت نحو تدهور الأوضاع في العراق وفي منع "الفوضى الخلاقة". ويعتقد المؤلفان أن أحد أخطاء الإدارة الأميركية وضعها العراقَ على رأس أولوياتها لسنوات طويلة، بتأثير من "المحافظين الجدد" الذين سيطروا على السياسة الخارجية لإدارة بوش الابن، إضافة إلى اللوبي الصهيوني في أميركا. وبتأثير من ذينك الطرفين أصبح تأسيس "الشرق الأوسط الجديد" هدفاً رسمياً للسياسة الخارجية الأميركية، كما تم الدفع نحو إحداث "الفوضى الخلاقة" في العراق بما يخدم هدف التغيير في مجالات محددة ومراحل زمنية خاصة. محمد ولد المنى الكتاب: التحديات الأمنية للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط المؤلفان: أمين المشاقبة وسعد شبلي الناشر: دار الحامد للنشر والتوزيع تاريخ الناشر: 2012