الاعتقاد السائد على نطاق واسع هو أن النظام الفيدرالي الموسع يمثل الرد المناسب على الأزمة الاقتصادية التي أحدثها الانهيار الائتماني لوول ستريت، وذلك لأن جزءاً أساسياً من الأزمة يكمن في درجة الفيدرالية الموجودة. سبع عشرة دولة متفاوتة اقتصادياً ربطت مصيرها بمصير بعضها عبر إنشاء منطقة اليورو، وهذا بالضبط هو الذي رمى بالمشروع الأوروبي إلى الأزمة. ونتيجة لذلك، دفُعت أجزاء كبيرة من سكان اليونان وإسبانيا والبرتغال إلى حالة الفقر والعوز، وتضررت اقتصاديات كل الأعضاء السبعة عشر لمنطقة اليورو بشكل كبير، وحُرمت حكومات البلدان الأضعف من استقلالية سياساتها ووُضعت تحت وصاية "الثلاثي" الأجنبي (المفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي) الذي يفرض برامج تقشفية موحدة ومثيرة للجدل، وبالتالي غير ناجحة عموماً. لكن هل يمكن لفيدرالية أوروبية قوية وموسعة أن تحسن هذا الوضع؟ المدافعون عن الفيدرالية يمكن أن يجادلوا بأنه لو كانت دول الاتحاد الأوروبي تحت سلطة فيدرالية، ما كانت لتصل إلى الأزمة التي تتخبط فيها حالياً. بيد أن معظم الضرر حدث بسبب الخضوع من قبل صناع السياسات السذج لمسلمات السوق الدولية، والنصائح التي تراعي المصالح الذاتية الضيقة أولا، والترويج للاستثمار من قبل بنوك الاستثمار الدولية، ونظريات أكاديمية فاقدة للمصداقية حول الأسواق "المثالية" المحررة والمستقلة. لكن، هل يمكن أن نصدق أن زعماء الاتحاد الأوروبي كانوا سيفعلون خلاف ذلك لو أنه تحول إلى فيدرالية عندما توسع في عام 2004؟ الواقع أن محنة الاقتصاد الأوروبي كانت ستكون أسوأ حالاً مما هي عليه اليوم. الكاتب تيموثي جارتون آش يريد من أوروبا أن "تنقذ" نفسها عبر "الانتقال نحو اتحاد سياسي ومالي أوثق". وهذا هو موقف أنجيلا ميركل أيضاً، والتي ترى أن ذلك يبدو حلاً لأنه ينطوي ضمنياً على دور أكثر تأثيراً لألمانيا. لكني أعتقد أنها تقلل من شأن مقاومة البلدان الأوروبية الأصغر لتبني مشروع السلطة الفيدرالية. وهل يمكن أن يكون لسلطة فيدرالية جواب على النزعات الاستبدادية في الحياة السياسة الداخلية الحالية لبلدان، مثل المجر وبلغاريا ورومانيا، وهي ذات الممارسات التي شوهت سمعة البلقان؟ ثم ماذا يمكن توقعه من بلدان مرشحة للعضوية مثل مقدونيا ومونتينيجرو (الجبل الأسود) وصربيا في فيدرالية جديدة؟ الواقع أن "آش" يعرف البلقان جيداً، وعصابات المافيا في ذلك الجزء من أوروبا. عادة ما يشار إلى الولايات المتحدة من قبل الأوروبيين باعتبارها مثالاً لنظام فيدرالي ناجح. فقد كانت في البداية عبارة عن مجموعة تتألف من 13 دولة تشترك في لغة وأدب وتاريخ واحد، ولديها تشكيل فكري وأخلاقي مشترك، وقيم دينية مسيحية (رغم خلافات طائفية كبيرة)، كما كانت لديها توقعات مشتركة وفهم مشترك للسياسة والتاريخ. ومع ذلك فإن رفض الولايات الجنوبية التنازل عما كان يُفهم في البداية على أنه حق سيادي ثابت للولايات لم يتم التغلب عليه إلا من خلال حرب أهلية فظيعة. إن درجة الاندماج والتوافق السياسي الذي بلغته القوى الكبرى الأوروبية اليوم، لم يأت إلا بعد قرون من الصراع والتنافس بين البريطانيين والألمان والفرنسيين والإسبان والدانماركيين والسويديين، حتى نتحدث عن القوى العظمى التقليدية لغرب أوروبا فقط، إضافة إلى كثرة الحروب التي تكللت بحربين واسعتين خيضتا في كل أرجاء العالم تقريباً. والاعتقاد بأن كل ذلك قد انتهى، وبأن التاريخ الأوروبي وصل إلى نهايته، هو أمر يتحدى المشهد السياسي العالمي لعصرنا. فهذا أمين عام حزب "الناتو" (راسموسن) يفعل ما بوسعه من أجل إعداد وتسليح أعضاء الحلف الأوروبيين تحسباً لـ"تهديدات أمنية هامة تطرحها التحديات العالمية". لكن، هل تستطيع فيدرالية أوروبية أن تذهب لمحاربة التهديدات العالمية؟ ثم عن أي تهديدات نتحدث؟ بعض المحللين الأوروبيين يجادلون بأن حالة انعدام التسلح تقريباً التي تميز أوروبا حالياً تجعلها تفقد نفوذها العالمي. وهذا صحيح، لكن هل ألمانيا والسويد وسلوفانيا ومقدونيا وإيطاليا وإسبانيا وكل الآخرين في الاتحاد الأوروبي مستعدون للمساهمة بقوات ضمن جيش أوروبي يقوم بعمليات في الخارج من أجل استعادة نفوذ أوروبا في العالم؟ في نظري فإن مستقبل أوروبا يكمن في الاتحاد الذي تمتلكه أصلاً. وأنا واثق في أن اليورو يمكن وينبغي أن يستمر، لكن ربما في إطار نظام مزدوج العملة في البلدان الأضعف اقتصادياً، حيث يمكن أن يكون عملة الصرف الدولية والقيمة المرجعية لتعويم العملات الوطنية. والواقع أنه يمكن أن تكون هناك سياسة خارجية موحدة تستخدم أقوى ترسانة من أدوات القوة "الناعمة" في العالم. كما تستطيع الدول الأوروبية الكبيرة- "القوى العظمى" السابقة- بشكل فردي أو جماعي، حسب اختيارها، لعب دور مسلح في العالم الخارجي، على غرار ما تقوم به اليوم، على أن يكون بقية أعضاء الاتحاد الآخرين أحراراً في تحديد الدعم والمساندة اللذين قد يرغبون في توفيرهما. وفي ظل ظروف لا يمكن التنبؤ بها الآن، فإن الاتحاد برمته قد يرغب في تبني إجراءات دفاعية وردعية مشتركة. ويمكن القول إن أوروبا على هذا النحو يمكن أن تكون "قوة عظمى" عالمية مختلفة. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"