لولا أن مملكة البحرين استدعت القائم بالأعمال الإيراني لديها وسلمته رسالة احتجاج رسميه على ما بثه التلفزيون الرسمي الإيراني أثناء خطاب الرئيس المصري بالجلسة الافتتاحية للقمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز، لمرت الحكاية كنكتة تروى، لا مصداقية لها، ولنسيها الناس جميعاً أمام سيرة خطاب الرئيس مرسي. البحرين التي طالبت الحكومةَ الإيرانية بالاعتذار عن الفعل الذي بدر من قناتها الإعلامية الرسمية، فهو لا يمثل أخلاقيات دول، ويعد تصرفاً غريباً، ومن ثم عليها اتخاذ الإجراءات اللازمة حياله .قالت في رسالتها "إن وضع اسم البحرين بدلاً من اسم سوريا خلال الخطاب يعد إخلالاً، وتزويراً، وتصرفاً، إعلامياً مرفوضاً، ويشير إلى قيام أجهزة الإعلام الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وخروجاً عن القواعد المتعارف عليها". ردة فعل المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كانت إدانة ما جرى من تحريف وتزوير في الترجمة باللغة الفارسية، ولتؤكد كذلك وحدة موقف دول التعاون فيما يختص بالتعامل مع الشأن الإيراني. لا جديد في تصرف إيران هذا، فالمتتبع لسياساتها وخطابها الإعلامي سواء للداخل أو الخارج يعلم جيداً أن صفة (تلوين) الخبر، وقلب معادلة الحدث لغاياتها ومصالحها أمر يحدث دائماً، وهو بعض من إستراتيجيتها وجزء من عقيدتها، ومن يقرأ مثلاً كتاب (إيران تستيقظ) لشيرين عبادي المحامية الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام، يشعر أن هذا التلفيق وقلب الحقائق وتخدير الشعب هو جزء من هوية النظام، ومنذ بدء قيام الدولة الحديثة (الجمهورية الإسلامية). وقد تكون ردة فعل الحكومة خلال الأيام المقبلة للتستر على هذه الفضيحة الأشهر في تاريخ الإعلام الحديث من حيث موضوعها هو البحث عن ضحية تبريرية، وقد يكون ذلك في فصل المترجم بسبب (الخطأ الفردي الشنيع) الذي ارتكبه أو مدير القناة أو حتى وزير الإعلام، أو أنها ستثير حملة مضادة على الإعلام العربي والغربي الذي يحيك المؤامرات لإيران ويحاول أن يفسد نجاحها الباهر في استضافة القمة، أي أنها في كل أحوالها قد تبرر لكنها لن تعترف مباشرة بسوء فعلتها، ولن تعتذر، ولو لمرة واحدة عن سوء النوايا، وتبييت الشر، فهذا ليس من (شيمها) وتقاليدها! إيران نشطت في الدعاية لاستضافة قمة عدم الانحياز ومحاولة استضافة أكبر عدد من رؤساء الدول، لعلها بذلك تكسر العزلة، ويشفع لها هذا الجمع في تحسين صورتها، وإعادتها إلى الوسط الدولي الغاضب والنافر منها، وقد تكون نجحت إلى حد ما في لفت انتباه العالم إليها من جديد، رغم أن حضور ثلاثين رئيساً من مجموع حوالي 120 دولة لا يعني نجاحاً للمنظمة أو للقمة، وكان يمكن أن يكون استضافة هذه القمة علامة حسن نوايا وتغييراً جذرياً تنويه الجمهورية، لكن الإشكالية هي في ولاءات إيران وأجندتها و(التقية) التي تحاول أن تمارسها في عالم السياسة. الرئيس المصري الذي فرحت بحضوره ، أشعل حريقاً داخل البيت الإيراني، وهذا ما لم يتوقعه المضيف. لم يكن الترحم على الصحابة في طهران وارداً يوماً، ولم يكن الهجوم على النظام السوري أو غيره من أتباع النظام الإيراني مقبولاً من أي ضيف عليها، لكن مرسي قال ذلك على الهواء مباشرة. صدمة الحدث لم تسمح بأمر قطع الإرسال والتعلل بعدها بحدوث خلل فني كما هي تبريرات مثل هذه المواقف في مثل هذه الدول، وكان التصرف، الذي لا يعرف أي داهية أشار به في تلك اللحظة هو تلوين الكلمة إلى المستمع الإيراني الذي لا يفهم العربية، وإرسال رسالة مقبولة تناسب أيديولوجيات ساسة إيران للشعب في الداخل. الرئيس المصري لم يكن أمامه أن يتجاهل ما يحدث في سوريا، أو يهادن إيران ويتحدث عن النظام السوري بلطافة وتعاطف، لو قال ذلك لخان الثورة المصرية، وتسبب في سقوط قامة مصر وهيبتها عند الشعوب والحكومات العربية وغير العربية. قال ما يجب أن يقوله، وإحتفائية الإعلام المصري وبعض الصحف العربية بخطاب مرسي مطلوبة، لكن التطبيل الزائد الذي أخذ أبعاداً وأشكالاً، وإعادة عصر شعارات (عاش الرئيس) وصنع بطولات من ورق لمجرد خطاب حماسي على منصة مهزوزة، هذا المفروض أن نكون قد تجاوزناه في عهد الثورات، ليس علينا أن نعيد تخدير الشعوب من جديد بالشعارات، فبعض هذا الإعلام أسرف في التمجيد والأحلام، وأوصل الرئيس إلى عصر الأنبياء وعظمة الجهاد ومجد الانتصارات التاريخية، مثل هذا الإعلام، هو الذي يدمر المجتمعات ويجني على الرئيس، ويعجل في ورمه، ويصنع منه البطل الأوحد، والسيد والقائد، والإله كما هي حكاية هذه الشعوب قبل الثورات مع رؤسائها. الغريب أيضاً أن الحكومة والإعلام المصري يفترض أن يكون لهم في مثل هذه الحالات ردة فعل شديدة ضد إيران وإعلامها الذي حوّر وشوه كلمة الرئيس، فلماذا طبل للكلمة، وتجاهل أن يهاجم، أو على الأقل يلوم إيران على فعلتها الشنيعة؟ إيران لو كفّت عن اللعب بالنار، ومحاولة إثارة الفتن والقلاقل في بيتها وعند جيرانها، لو أنها التزمت اللعب بشرف. ستجد الجميع صديقاً لها.