تجيء فضيحة "الترجمة" الإيرانية الأخيرة في مؤتمر دول عدم الانحياز منذ أيام، لتقدم دليلاً جديداً طريفاً وفاضحاً على أن نظام الاستبداد الشمولي، "بطبيعته وفطرته"، غير قابل للإصلاح، ولو بنسبة واحد من تريليون. فلقد اتضح للعالم أن الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري في المؤتمر المذكور لم تُترجم بدقة ووفق مصداقية العمل الإعلامي، وإنما جرى تحريفها حسب الموقف الإيديولوجي السياسي لإيران، فجسّدت حالة غير مسبوقة في العلاقات بين الدول والمجموعات الدولية. لقد قدم الرئيس مرسي كلمته بلغته الأم العربية. وقد تابعناها كما تابعها الآخرون، مبثوثة من الإعلام الإيراني في البدايات الأولى للمؤتمر. وفهمنا ما أراد إيصاله للناس. وبعد مرور وقت على إلقاء الكلمة المذكورة، فوجئنا ببعض المصادر الإعلامية تعلن عن حدوث "تحريف" لها، حين نُقلت إلى اللغة الفارسية، خدمةً للشعب الإيراني. وكانت المفاجأة الغريبة والفظة، حين اتضح أن المواقف التي حرفها المترجم أثناء قيامه بذلك، تتعلق بالموقف من سوريا. فقد لوحظ أن موقف مرسي المتضامن بقوة مع سوريا جرى تحريفه بصيغة استبدال "سوريا" بـ "شيعة البحرين"! كيف سمح المسؤولون الإيرانيون عن الترجمة المعنية لأنفسهم أن يقوموا بهذه الفضيحة الدولية، معتقدين أنها "ستمر" على الآخرين، بل معتقدين أنها حتى لو كُشفت، لن تكون شيئاً مُهيناً أو مربكاً بالنسبة إليهم؟ فهم أصحاب القرار وأصحاب الحق في تغيير ما يعلنه الآخرون، سواء إيجاباً أو سلباً. إنها حقاً سابقة على المستوى الدولي العالمي، وإذا دققنا في هذا الأمر، فإننا قد نتوصل إلى مسألة عُقدية تشغل حيزاً ضخماً في الثقافة الأصولية، هي ظلامية هذه الأخيرة المؤسسة على سدّ الأبواب والنوافذ حيال ما يدخل إليها وما يخرج منها. ويدخل ذلك خصوصاً باسم إيديولوجيا ذات طابع شمولي تغيب منه الخصوصيات الداخلية والخارجية، أو تجد نفسها بمثابة امتداد بنيوي ووظيفي لها. وحيث يكون الأمر على هذا النحو الشمولي والقطعي، فإن العالم ينكفئ على نفسه، مهيئاً بذلك لنمط مأساوي من كون هذه الثقافة وحاضنتها الجغرافية البشرية، موتاً سريرياً. لقد قدمت الإيديولوجيا الإيرانية أنموذجاً لمحاولات تحويل الفكر العالمي، بكل أنماطه وتجلياته الوطنية والقومية، إلى امتدادات وظيفية وربما كذلك بنيوية، لوهم "النبع الأول والأخير" لفكر البشرية. ولكن هذا الأخير يمكن إذا توافرت الظروف المناسبة، أن يتحول إلى تيار إيدلولوجي شمولي يختزل ما أنتجه وينتجه البشر في مستقبلهم القريب والبعيد. لكن رؤية تاريخية موضوعية لا تخفي تشاؤمها التاريخي لمستقبل البشر (في إيران والعالم العربي مثلاً) ليس بالمعنى النظري والأخلاقي فحسب. إنها كذلك قد تضع يدنا على أن ذلك التشاؤم التاريخي النظري قد يكتسب بعده الواقعي المسلح، لنجد أنفسنا أمام مصير ظلامي موحش يحمل في أحشائه الكثير من الأسى والمآسي ، إضافة إلى صراعات مسلحة تقضي على شعوب المنطقة في تواصلها الحضاري التقدمي. على ذلك النحو، فإن نظاماً اجتماعياً قائماً على الشمولية والاستبداد يمكن أن "يخربط" على التاريخ، ولكنه سيكون هو أول الخاسرين.