في أنجولا، وهي ثاني أكبر دولة أفريقية منتجة للنفط، أظهرت النتائج الأولية للانتخابات بقاء الرئيس الحالي خوسيه ادواردو سانتوس في منصبه لولاية أخرى، إذ حصل هو وحزبه على نسبة تتجاوز 70 في المئة من أصوات الناخبين. ففي صبيحة الجمعة الماضي فتحت عشرة آلاف لجنة انتخابية أبوابها أمام 9?7 مليون ناخب مسجل لاختيار 220 نائباً برلمانياً، حيث يصبح رئيس الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان رئيساً للبلاد. وتعد هذه ثالث انتخابات تشهدها أنجولا منذ استقلالها عام 1975، والثانية بعد انتهاء الحرب الأهلية فيها عام 2002. ووفقاً لنتائج الانتخابات الحالية، فقد فاز حزب "الحركة الشعبية لتحرير أنجولا" بأغلبية مريحة، ليمدد سانتوس فترة بقائه في السلطة والبالغة حتى الآن 33 عاماً، ما يجعله صاحب ثاني أطول مدة حكم في أفريقيا بعد "نجويما مباسوجو" رئيس جمهورية غينيا الاستوائية. وسانتوس سياسي أنجولي ورئيس جمهورية أنجولا وزعيم "الحركة الشعبية لتحرير أنجولا" (MPLA) منذ 10 سبتمبر 1979، وثاني رئيس للبلاد منذ استقلالها عام 1975، حيث قاد أنجولا من نظام حكم ماركسي لينيني إلى نظام الديمقراطية المقيدة. وقد ولد خوسيه ادواردو دوس سانتوس في لواندا عام 1942، وكان والده نحاتاً من دولة "سان تومي وبرينسيبي". وخلال دراسته الثانوية كان سانتوس الابن يعمل سراً بين الطلاب لإنهاء حكم الاستعمار البرتغالي في بلاده. وفي عام 1961، وكان في سن الـ19، التحق بإحدى المنظمات السرية القومية (حركة MPLA)، ثم فرّ في العام نفسه إلى المنفى في ليوبولدفيل (كينشاسا حالياً)، حيث كان للحركة مكتب ومحطة إذاعية. وسرعان ما أظهر قدراته ونال الاعتراف بكفاءته داخل الحركة، ليتم تعيينه نائباً لرئيس منظمتها الشبابية. وبعد ذلك بعامين، تولى رئاسة مكتب الحركة في "برازافيل" عاصمة الكونجو الفرنسية (جمهورية الكونغو حالياً). ثم أُرسل للدراسة في الاتحاد السوفييتي حيث حصل على دبلوم مهندس في باكو عاصمة أذربيجان. وفي أول حكومة بعد الاستقلال، أصبح سانتوس وزيراً لخارجية أنجولا عام 1975، ثم نائباً لرئيس الوزراء في نوفمبر 1978، فوزيراً للتخطيط في ديسمبر من العام ذاته، قبل أن يختاره لخلافته زعيم الاستقلال وأول رئيس لجمهورية أنجولا، أجوستينو نيتو الذي تنحى عن الحكم في 10 سبتمبر 1979. وفي أول انتخابات حرة متعددة الأحزاب شهدتها أنجولا عام 1992، قاد سانتوس حزبه إلى الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية، لكنه لم يستطع حسم انتخابات الرئاسة في جولتها الأولى، حيث حصل على 49,6 في المئة من الأصوات، مقابل 40?1 في المئة لمنافسه "سافيمبي" زعيم حركة "يونيتا"، مما تطلب جولة جديدة للانتخابات، لكن "يونيتا" رفضت نتائج الجولة الأولى واندلعت الحرب الأهلية التي استمرت عقدين من الزمن وأسفرت عن مقتل 30 ألف شخص، بينما بقي سانتوس في منصبه رئيساً للبلاد. وفي عام 2001، أعلن سانتوس أنه لن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، ما لم يتحقق السلام الأهلي في تلك الأثناء. لكنه انتخب في ديسمبر 2003 رئيساً للحزب الحاكم. ثم تأجلت الانتخابات الرئاسية مجدداً إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية التي تأخرت هي أيضاً إلى غاية سبتمبر 2008، حيث حصلت "الحركة الشعبية لتحرير أنجولا" على 82 في المئة من الأصوات، مما مكنها بموجب المادة 158 من تغيير القانون الأساسي وفقاً لمشيئتها. وقد تم إقرار دستور جديد في بداية عام 2010، يدمج انتخابات الرئاسة في انتخابات البرلمان، بحيث يكون رئيس الحزب الفائز بالأغلبية النيابية رئيساً للبلاد، كما يصبح المرشح الثاني على لائحته نائباً لرئيس الجمهورية. وقد تردد الحديث في أنجولا منذ العام الماضي حول خلافة سانتوس (70 عاماً)، وذكرت الأسبوعية الأنجولية "جورنال نوفو" في 2 سبتمبر 2011، أنه اختار مانويل دومينغوس، رئيس شركة النفط "سونانجول"، ليصبح الرئيس القادم للحزب والدولة. وهو ما تأكد بالفعل بعد اختيار دومينغوس في المركز الثاني ضمن قائمة الحزب الحاكم للانتخابات العامة في 31 أغسطس 2012، ليصبح نائباً لرئيس الجمهورية، ما أثار استياء عدد من أعضاء المكتب السياسي للحزب وقادته البارزين. هذا، وكثيراً ما تحدثت وسائل الإعلام عن علاقة سانتوس بعمليات فساد كبيرة في أموال النفط الأنجولي المتدفق بغزارة من إقليم كابيندا في الشمال، وعن ممتلكات لعائلته وأصول عقارية تراكمت خلال سنواته الطويلة في السلطة،من ضمنها قصور في العواصم الأوروبية وبعض الحسابات المالية في المصارف السويسرية والملاذات الضريبية في الخارج. بل تقدر بعض المصادر ثروة سانتوس شخصياً بحوالي 31 مليار دولار أميركي، مُودَعةً في حسابات مخفية ببعض البنوك الأوروبية. وتذكر هذه المصادر أن ابنة سانتوس الكبرى إيزابيل سانتوس، من زوجته الأولى (الأوكرانية تاتيانا كوكانوفا)، هي من يتولى شخصياً إدارة هذه الثروات والإشراف عليها. وقد أصبح سانتوس ونظامه منذ أوائل عام 2011، هدفاً لاحتجاجات سياسية، لاسيما من الأنجوليين الشباب، ومن ذلك المظاهرات الكبيرة التي عرفتها لواندا في 13 سبتمبر الماضي. ورغم المستوى المعيشي المرتفع نسبياً في أنجولا، فإن سانتوس وحزبه يواجهان ضغوطاً شعبية تطالب بتوزيع ثروات البلاد على نحو أكثر إنصافاً. فرجل الشارع الأنجولي يشعر باستياء عميق مما يراه ظلماً في توزيع عائدات النفط، وهو أمر توقع المحللون في الأيام الماضية الأخيرة أن ينعكس على حجم التأييد لـ"الحركة الشعبية لتحرير أنجولا" أو نسبة المشاركة الانتخابية. لكن رغم ضعف المعارضة ممثلة أساساً بحركة "يونيتا" التي لم تمنحها النتائج المعلنة أكثر من 18 في المئة، فقد أعربت العديد من الأحزاب وهيئات المجتمع المدني عن شكوكها في نزاهة الاقتراع وحياد اللجنة المشرفة عليه. وإذا كان التسويف في إجراء الانتخابات والتنصل مراراً من مواعيد تنظيمها، قد نالا في السابق من شرعية سانتوس كرئيس لأنجولا، فإن تهمة التلاعب بنتائج الاقتراع وشبهة تزويرها، تضران كذلك بمشروعية أي رئيس "منتخب"!