يصف كتاب "مصر على شفير الهاوية"، لمؤلفه طارق عثمان، ما جرى لمصر والمصريين خلال السنوات الخمسين الأخيرة، أي "من ثورة عبدالناصر إلى ملايين ميدان التحرير"، بما في ذلك الحروب الأربع مع إسرائيل، وزيارة السادات للقدس، واغتياله المنقول تلفزيونياً، والإطاحة بمبارك عبر ثورة شعبية عارمة. كما يتابع التحولات الطارئة على المجتمع المصري وانتقاله من شريك للاتحاد السوفييتي إلى حليف قوي لأميركا، ومن الاقتصاد الاشتراكي التقشفي إلى اقتصاد "منفتح". ويصور التراجع الذي عرفته مصر خلال هذه السنوات، وكيف أصبحت تحتل أدنى المراتب في مؤشرات التنمية البشرية. كما يتطرق لعبد الناصر والقومية العربية، وملف الحركة الإسلامية، وعلاقات المسيحيين بمجتمعهم العام. وينطلق المؤلف من التطورات التي شهدتها مصر مطلع عام 2011، وما حققته ثورة 25 يناير على صعيد إسقاط رأس النظام وبعض قواه، وفتح الطريق أمام مرحلة سياسية جديدة... مُعتبراً أن فهم حاضر مصر شرط لفهم تاريخها خلال العقود الستة الماضية، وأن فهم تلك الحقبة هو المدخل الوحيد لرؤية التحديات الراهنة والمستقبلية المحيطة بثورة مصر ومآلاتها. وهكذا يحاول الكتاب في الفصول الثمانية التي يتكوّن منها، ربط الظروف الاقتصادية والمالية بالاتجاهات الاجتماعية والسياسية في مصر على مرّ العقود الستة الماضية. ويرى المؤلف أن السمة الأساسية للتاريخ المصري كانت الخضوع للحكم الأجنبي الذي تراوح بين الإمبراطوريات الإغريقية والرومانية والعثمانية، وأخيراً البريطانية. لكنه يركز على فترة حكم محمد علي التي شهدت محاولة جادة للتحديث، كما عرفت بداية الوعي بالانتماء المصري، والذي تصاعد معبّراً عن نفسه في تنظيمات سياسية، ليبرالية وإسلامية وقومية واشتراكية. ثم شكلت الفترة التالية لانقلاب 23 يوليو 1952 مرحلة جديدة في التاريخ المصري، فكانت الحقبة الناصرية ذروة صعود مصر بل عنواناً لبزوغ المشروع القومي العربي، خصوصاً بعد تأميم قناة السويس وما أحدثه على صعيد العلاقات الدولية. لكن الأحلام الناصرية تبددت مع هزيمة الجيش المصري في حرب يونيو 1967. إلا أن النقطة المفصلية كانت وفاة عبدالناصر باعتبارها نهاية للمشروع القومي العربي ولمشروع النهضة والتحديث الذي انطلق مع الناصرية. وكان من نتائج ذلك هزيمة قوى التحديث وصعود الإسلاميين الذين قدموا أنفسهم كبديل عن المشروع الناصري، واستفادوا من صراع السادات مع "مراكز القوى"، لينتهي الأمر بمقتله عام 1981. وفي ارتداد عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها ناصر، دشّن السادات سياسة "الانفتاح" الاقتصادي للحصول على التزام أميركي بدعم مصر، "مفترضاً أن البحبوحة المتوقعة ستستميل غالبية المصريين صوب التوجه الجيوبوليتكي الجديد". لكن المؤلف ينتقد تلك السياسة موضحاً أنها أفقرت المصريين، وأوجدت طبقة رأسمالية طفيلية متوحشة نهبت الثروات المصرية. كما يرى أن حكم مبارك مثل امتداداً "منحطاً" لنهج السادات، حيث باتت مصر في عهده "دولة فاشلة"، ودخلت في دوامة الخضوع للرأسمالية العالمية عبر تصفية القطاع العام، لتغرق في ديون هائلة، ولتتصاعد فيها حدة الفقر والبؤس اللذين باتا يشملان الغالبية الساحقة من الشعب. ومفارقة هذه المرحلة، كما يسجلها الكتاب، أن سياسة الانفتاح الاقتصادي لم تترافق مع انفتاح سياسي في مصر، بل كانت سياسة القمع والانغلاق وضرب حركات المعارضة... مرادفة لسياسة السوق. ووسط هذا التخبط العام كانت مصر تشهد تآكلاً في مواقع القوى السياسية المعارضة، لكن حركات شبابية بدأت تتبلور مع مطلع القرن الحادي والعشرين، معززة بالتقنيات التواصلية للإعلام الجديد، وبصاعق الاحتقان السياسي والاقتصادي المتراكم منذ عقود، مما مهد لثورة 25 يناير التي اندلعت وتوسعت متجاوزة القوى التي أطلقتها، لتضع مصر أمام تحول سياسي غير مسبوق في تاريخها. ورغم أنها دخلت مرحلةً جديدةً في تطورها، فإن ما تشهده مصر حالياً، ليس سوى البداية، كما يرى طارق عثمان؛ فالتحديات عويصة وهائلة وتنذر بمخاطر غير يسيرة، لذلك فإن فئات اجتماعية مثل الشباب والأقباط والمرأة والأحزاب الليبرالية واليسارية... كلها مطالبة باستكمال المعركة الأصعب في عملية التغيير، أي مواجهة "التكويش" وسياسات "الأخونة" التي باتت تشكل تهديداً لمدنية الدولة في مصر. محمد ولد المنى الكتاب: مصر على شفير الهاوية المؤلف: طارق عثمان الناشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر تاريخ النشر: 2012