"كاثي هوتشل" عضوة "ديمقراطية" جديدة في الكونجرس، تعمل جاهدة من أجل تكريس حياتها السياسية في دائرة انتخابية "جمهورية" قوية تقع خارج مدينة "بافالو"- نيويورك. وبخلاف باقي أجزاء هذه الولاية التي تعتبر ليبرالية في معظمها، فإن هذه الدائرة تحديداً تعتبر من معاقل "رومني" القوية حيث كشف استطلاع للرأي أجريَ الأسبوع الماضي أن مرشح الحزب "الجمهوري" يتقدم فيها على أوباما بفارق مذهل بلغ 12 نقطة كاملة. وبما أن الأمر كذلك، فكيف يمكن لنا الاقتناع بأن "هوتشل" تأمل في عبور الخطوط الحزبية وإرسال رئيس "ديمقراطي" مرة ثانية إلى واشنطن؟ مفتاح الإجابة عن هذا السؤال كلمة واحدة هي:"ميدي كير". ففي لقاء لها على العشاء مع مجموعة من المواطنين كبار السن في قاعة اجتماعات بلدة "أركيد" الزراعية يوم الجمعة الماضي، قالت "هوتشل":" هذا هو ما اقترحوه في الكونجرس. لقد قالوا لي سوف يحصل كل منكم على مستند ويذهب للتفاوض مع شركات التأمين الصحي بمعرفته. وعندما سمعت ذلك قلت: يستحيل أن يتم الأمر على هذا النحو". كان الحاضرون في مأدبة العشاء ومعظمهم ممن اشتعلت رؤوسهم شيباً يستمعون لما تقوله عضوة الكونجرس، ويومئون برؤوسهم مصدقين على كلامها. إحدى هؤلاء كانت مرجريت مورجان(85 عاماً)، رئيسة نادي المواطنين المتقاعدين لهذا العام والتي قالت:"أنا جمهورية ولكني لا أستطيع تأييد هذه الخطة... إنهم يقولون إنها لن تؤثر على أي أحد فوق الخامسة والخمسين من عمره ولكن ماذا عن أبنائنا وأحفادنا؟". في نفس الاجتماع، حاول "كريس كولينز" المنافس "الجمهوري" الرئيسي لهوتشل، جاهداً أن يغير الموضوع، فقال إنه يفضل أن يركز على كلمة أخرى غير "ميدي كير"، وهي كلمة "الوظائف"، وأنه كرجل أعمال يعرف جيداً كيف يمكن دفع عجلة الاقتصاد للدوران مجدداً. ويمكن القول إن ما دار خلال هذا الاجتماع على العشاء في تلك البلدة الريفية الصغيرة، يمثل نموذجاً مصغراً لعالم الحملات الانتخابية هذا العام بدءاً من حملات التنافس الانتخابي بين أوباما ورومني، وانتهاء بحملات التنافس على مقاعد المجالس المختلفة في المدن، والضواحي، والبلدات الزراعية. يعرف "الديمقراطيون" أنهم لن يتمكنوا من إدارة الاقتصاد بأي قدر من اليسر، وأن ذلك يرجع لأن نسبة البطالة مرتفعة إلى الدرجة التي لا تجعل أي ناخب يشعر بأن الأمور قد باتت أفضل خلال الأعوام الأربعة الماضية. مع ذلك، إذا ما تمكن "الديمقراطيون" من إقناع الناخبين بالتركيز بدلاً من ذلك على أكثر مقترحات الميزانية الصارمة والجذرية التي قدمها "رومني" ونائبه "بول رايان"، فإنه قد يكون لديهم في مثل هذه الحالة فرصة جيدة للفوز بالانتخابات. يقول الخبراء الاستراتيجيون للحملة الانتخابية لـ"الجمهوريين" إنهم ليسوا بحاجة لكسب النقاش حول برنامج الرعاية الصحية "ميدي كير"، وإن كل ما يريدونه هو "تحييد" الميزة النسبية التي تمتع بها "الديمقراطيون" تاريخياً بشأن هذا الموضوع، كي يتمكنوا من العودة للحديث عن الاقتصاد مجدداً. ومن المعروف أن الناخبين- تاريخياً- كانوا يثقون بقدرة "الديمقراطيين" على حماية"ميدي كير"، ويتوقعون -عادة- أن يسعى "الجمهوريون" إذا ما تولوا الحكم، إلى تقليص الميزانية الخاصة ببرامج الرعاية الصحية. ولكن أين يترك هذا النقاش الأكثر أهمية من وجهة نظري، وهو ذلك المتعلق بالكيفية التي يمكن بها إيجاد حل لبرامج المنافع ذات التكلفة الآخذة في التضخم على نحو دائم؟ منذ عام اتفق "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" على أن الزيادة المتنامية في نفقات برنامج الرعاية الصحية بحاجة لأن توضع تحت السيطرة، وكان هذا هو على ما يفترض السبب الذي جعل كلا من أوباما ورومني يدخلان مبلغ 716 مليار دولار ضمن خطة خفض الإنفاق المستقبلي في مقترحات الميزانية التي قدماها- على الرغم من أنهما ربما كانا سيجريان تلك التخفيضات بطريقة مختلفة تماماً (أوباما كان سيجريها من خلال خفض الإنفاق البيروقراطي- ورايان كان سيجريها من خلال خطة الفواتير والمستندات الصحية التي تقدم لكل مواطن مستحق للتأمين الصحي كي يتفاوض على شروط رعايته الصحية بنفسه مع الشركات العاملة في هذا المجال). أما في الوقت الراهن، فإننا نجد أن الحملات الانتخابية قد جعلت العديدين في كلا الحزبين يتحولون ضد إجراء أي خفض مستقبلي في الإنفاق الصحي، وهو موقف إذا ما تمسكوا به، فسوف يترتب عليه آثار كارثية من الناحية المالية، على اعتبار أن الزيادة في الإنفاق على برنامج "ميدي كير" هو أكبر محرك من ضمن محركات العجز الفيدرالي. ميت رومني يقول إنه لن يجري أي تخفيضات. و"كاثي هوتشل" تقول إنها لن تفعل ذلك أيضاً. أما منافسها الرئيسي "كريس كولينز" فهو يعارض التخفيضات أيضاً، بل ورفض المصادقة على الميزانية التي قدمها رايان. أما أوباما، فهو لا يستطيع التنصل من التخفيضات ولكن جزءاً منه ربما يتمنى الآن لو أنه لم يقم منذ البداية بالمطالبة بها. قصارى القول، ليس هناك من يعد يرغب في الوقت الراهن في خوض حملة من أجل توفير أموال من مخصصات ميدي كير، مما يعني أن هذا البرنامج قد بات- فعلياً- هو القضيب الثالث الذي يسير عليه قطار السياسات الأميركية. دويل مكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي انترناشيونال"