"سلبية" متواصلة تجاه مجازر سوريا...ودعوة لحماية الحريات في مصر إلى متى يتواصل"اللافعل"الأميركي تجاه مذابح سوريا؟ وهل يمكن حماية الحقوق الفردية في مصر؟ وكيف أصبح مفهوم "بناء الدولة" أكثر تطبيقاً في الخارج وليس الداخل الأميركي؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الأميركية. مذبحة تلو الأخرى تحت عنوان "مذبحة سوريا المتصاعدة"، سلطت "واشنطن بوست" يوم أمس الضوء على تنامي الأدلة على وقوع مجزرة أخرى في سوريا ارتكبها نظام بشار الأسد، مكانها هذه المرة أحد ضواحي دمشق. وحسب مصادر من المعارضة السورية، فقد لقي 300 شخص حتفهم في داريا الأسبوع الماضي، وثمة مقاطع فيديو تم بثها على الإنترنت تتضمن صفوفاً من الجثث لشباب وأطفال وأثار الرصاص واضحة في رؤوسهم. وحسب الصحيفة، فإن أحدث جريمة قتل شهدتها سوريا تشير إلى أن ثمة خطة مدروسة لارتكاب هذه الجرائم. وحسب "ليز سلاي" مراسلة الصحيفة، فإن نظام بشار يحاول استرداد المناطق التي سيطرت عليها عناصر المعارضة، من خلال تلقين درس للسكان الذين يؤون الثوار، ويوجهون بالمذابح رسائل مفادها أن من يؤوي الثوار سيكون عرضة للقتل. وفي "داريا" هجمت القوات الحكومية على عناصر الجيش الحر، وطردتهم من البلدة باستخدام الطائرات والمدرعات، ثم فتشت البيوت بيتاً بيتاً، وطوقت السكان وأطلقت عليهم النار. لا غرابة إذن في نزوح المدنيين إلى خارج سوريا وبأعداد كبيرة، فأكثر من 200 ألف وصلوا الآن إلى البلدان المجاورة، وثمة 11 ألف لاجئ ينتظرون على الحدود السورية التركية، التي ينتشر عليها الآن قرابة 80 ألف لاجئ، وتسعى السلطات التركية إلى تدشين معسكر جديد للاجئين، لكن يصعب على الأتراك استيعاب أكثر من 100 ألف لاجئ. الصحيفة تقول إن تنامي أعداد اللاجئين ووقوع مجزرة تلو الأخرى، يذكر بأنه لا يمكن استمرار إدارة أوباما في موقفها السلبي تجاه ما يدور في سوريا. وفي تركيا البلد العضو في حلف شمال الأطلسي، ربما يطلب رئيس وزرائها من مجلس الأمن تخصيص منطقة آمنة للاجئين السوريين، لكن هذا المطلب سترفضه روسيا، ومن الحماقة عدم اتخاذ أية إجراءات في الوقت الذي قد تتعرض فيه تركيا والأردن (الحليفتان لواشنطن) لحالة من عدم الاستقرار جراء تدفق اللاجئين السوريين. الصحيفة أشارت إلى أن مقولة أطلقها أوباما في أبريل الماضي، وتتحدث عن "منع المذابح وعمليات القتل الجماعي كعمل يأتي ضمن مصالح الأمن القومي الأميركي، ويأتي أيضاً في إطار المسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة، وأن على بلاده أن تفعل ما بوسعها لمنع وقوع الفظاعات، لأن السيادة الوطنية ليست رخصة لقتل الشعب". فظاعات تلو الأخرى يتم ارتكابها في سوريا، ومع ذلك يرفض أوباما اقتراحات مساعديه وحلفاء واشنطن بمجرد القيام بتدخل إنساني محدود في سوريا. ودار نقاش حول خيارات لتوفير منطقة آمنة لكن الرئيس انحاز لأنصار عدم اتخاذ أية خطوة في هذا الاتجاه. ويشار إلى أن أوباما قال قبل أسبوع إن حسابات التدخل العسكري ستتغير إذا بدأ النظام السوري في نشر أسلحته الكيماوية، لكن هذا التصريح ربما يعني أن واشنطن قد تتسامح مع أي سلوك لدمشق لا تستخدم فيه السلاح الكيمياوي، وهو منطق توصل إليه عمار عبدالحميد أحد المدونيين السوريين. حماية الحقوق في افتتاحيتها ليوم أمس، وتحت عنوان "يتعين على الولايات المتحدة تشجيع احترام الحقوق الفردية في مصر"، استنتجت "لوس أنجلوس تايمز" أنه بينما يتشكل مستقبل مصر، ينبغي على واشنطن، الضغط باتجاه تعزيز الديمقراطية، وحماية حقوق الأقليات واحترام الالتزامات الدولية. الصحيفة تقول "مصر بلد كبير وعاصمة ثقافية للعالم العربي"، وهي تلعب دوراً جيوسياسياً نادراً، فعندما وقّعَ السادات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، فإنه تخلص على نحو فاعل من احتمال اندلاع حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط، كما لعب مبارك دوراً بناء على الصعيد العالمي، لكنه في الداخل كان يدير الأمور وسط نظام فاسد وقمعي ينتهك حقوق الإنسان. وبعد تنحي مبارك، انتقلت السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهذا الأخير حل البرلمان الذي سيطر عليه "الإخوان"، وبعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية، أصدر المجلس مرسوماً يحد من صلاحيات الرئيس، ويمنح المجلس سلطة البت في قرار خوض الحرب ويمنح ميزانية الجيش حصانة من الرقابة الرئاسية. وهذه الإجراءات كانت محل انتقاد إدارة أوباما، التي حذرت من قرارات غير ديمقراطية يتخذها الجيش. وبعد قرار الرئيس المصري بإقالة قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لم يقاوم العسكريون القرار، ويبدو أنهم دخلوا في حالة سلام مؤقت مع السلطة المنتخبة. وتقول الصحيفة إن الصراع بين الجيش المصري والقيادات المدنية سيعود مرة أخرى حتى بعد صياغة دستور جديد أو إجراء انتخابات برلمانية جديدة. وكما هو الحال في تركيا، يعتبر الجيش المصري نفسه حارساً للأمن القومي وراعياً للتحديث، وأيضاً لا يزال منخرطاً بصورة مكثفة في الاقتصاد المصري، وتستنج الصحيفة أنه حتى الآن- على الأقل- يبدو أن جنرالات مصر تخلو عن أية أنشطة من شأنها النيل من مكانة مرسي كرئيس للبلاد. إسرائيل تأتي ضمن التحديات التي واجهها مرسي، حيث أكد التزام بلاده بالاتفاقيات الدولية بما فيها معاهدة السلام. لكن مرسي- والكلام للصحيفة- يحتاج أيضاً لطمأنة المسيحيين وغيرهم من الأقليات بأن حكومته الإسلامية ستحمي حرياتهم، كما أن إدراك أن مصر تتساهل مع العنف أو المتطرفين سيضر بالدعم المالي الذي تتلقاه مصر، وسيلحق الضرر أيضاً بالساحة والاستثمارات الأجنبية التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري. ولكونها تأخرت في دعم رحيل مبارك، فإن الولايات المتحدة ربما تكون أقل دعماً لقادة مصر المدنيين مقارنة بدعمها للعسكر، لكن عندما يزور مرسي واشنطن الشهر المقبل، يتعين على أوباما التأكيد له على حقيقة مفادها، أن مصر الجديدة كي يعمها الرخاء، لا تحتاج فقط أن تكون ديمقراطية، بل أيضاً تحترم الحقوق الفردية. من جانبها نشرت "نيويورك تايمز"يوم الجمعة الماضي افتتاحية سلطت خلالها الضوء على تظاهرات الجمعة الماضية التي جاءت ضد أول رئيس مصري منتخب، وفي ذلك مؤشر على إصرار المصريين في أن يتم السماع لأصواتهم، وأن لدى مرسي وحزبه أوقاتاً صعبة لسماع هذه الأصوات. وحسب الصحيفة لدى المصريين قلق من مساعي "الإخوان" لاحتكار السلطة، وفرض قيود على الصحافة. وضمن هذا الإطار تم توجيه اتهامات لإسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة "الدستور" المستقلة، بإهانة الرئيس وإرباك النظام العام من خلال مقالات منشورة بالصحيفة، إضافة إلى مقاضاة توفيق عكاشة أحد المذيعين التلفزيونيين بسبب اتهامات تتعلق بتهديد الرئيس و"الإخوان". الصحيفة تقول إن انتقاد القادة السياسين ليس جريمة لا سيما في بلد يطمح للديمقراطية. "بناء الأمم" في افتتاحيتها يوم الخميس الماضي، وتحت عنوان "مناظرات أوباما ورومني يجب ألا تتجاهل بناء الأمم"، توصلت "كريستيان ساينس مونيتور" إلى استنتاج مفاده أن الحملات الانتخابية الرئاسية الأخيرة التي خاضها رؤساء أميركيون كانت تتطرق إلى هذا المفهوم كضرورة لتوضيح المصالح الاستراتيجية والقيم الأميركية، ومن ثم على الناخبين سماع رؤى رومني وأوباما في تلك المسألة. الصحيفة تقول في كل موسم انتخابي تعيد أميركا تعريف نفسها، لكن طوال العقود الماضية، تبلورت صورة في الانتخابات الرئاسية يركز فيها المرشحون على وعودهم بالتركيز على بناء الدولة (في الداخل الأميركي)، لكن بعدما يصل المرشح الفائز إلى البيت الأبيض، يتم التركيز على مفهوم "بناء الدولة" في الخارج. وضمن هذا الإطار، ساقت الصحيفة بعض الأمثلة، فبيل كلينتون بنى حملته عام 1992 على مقولة "الاقتصاد أولا"، لكنه اضطر إلى الانخراط في تدخلات خارجية بالصومال والبوسنة وهايتي وكوسوفو. وفي عام 2000 تحدث "جوج بوش الإبن" عن سياسة خارجية متواضعة، لكن جاءت هجمات سبتمبر وغير بوش رأيه وخاض عملية بناء الدولة في أفغانستان والعراق. وحتى أوباما الذي أطلق عبارة "البلد الذي يعنيني بناؤه هو بلدي"، انخرط في بناء الدولة بأفغانستان، وساعد الصومال على تشكيل أول حكومة لها منذ 20 عاماً، وقدم مليارات الدولارات لمساعدة باكستان، وتبنى مشروعاً لتنمية اليمن. إعداد: طه حسيب