حاول فريق المراقبين الدوليين برئاسة الجنرال بابكر غاي إنجاز شيء ما على الأرض أو تحقيق اختراق ميداني ذي شأن، لكنه اضطر أخيراً للانسحاب ومغادرة الأراضي السورية يوم السبت الماضي. ورغم الإخفاق المبكر الذي منيت به البعثة الأممية إلى سوريا، قرر مجلس الأمن الدولي، في يوليو الماضي، التمديد لها حتى 20 أغسطس الجاري. وقد كان يرأسها الجنرال النرويجي روبرت مود الذي قام بجولات واتصالات كثيرة داخل سوريا، فأدرك استحالة الوصول أصلاً إلى وقف حقيقي لإطلاق النار حتى يمكن الإشراف عليه ومراقبته. وعقب استقالة مود من منصبه، أسندت المهمة إلى الجنرال السنغالي بابكر غاي في يوليو الماضي، وقبيل توجهه إلى دمشق (في 24 من الشهر نفسه) أدلى بتصريحات صحفية قال فيها: "لدى وصولي إلى سوريا، سأتأكد من أن البعثة في وضع يمكّنها من استخدام الأيام الثلاثين المقبلة على أفضل نحو ممكن، وسأوجه الأعضاء بشأن استخدام هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً". ورداً على سؤال حول ما إذا كان تمديد ولاية البعثة ثلاثين يوماً، يعني استمرار نشاطها أم مجرد فترة لتأمين انسحابها، قال غاي: "كل شيء سيعتمد على الواقع في الميدان، وعلينا الاعتراف بأن قدرتنا على التأثير في هذا الواقع حتى الآن لم تلب توقعاتنا، لذلك سيكون كل شيء معتمداً على تطورات الواقع الميداني". وقد اتضح الآن أن تلك النبرة الحذرة كانت تداري شعوراً مسبقاً بفشل المهمة، وأن التطورات العنيفة على أرض الواقع شلّت عمل بعثة المراقبين بشكل كلي تقريباً، لاسيما عقب التمديد لعملها وصدور قرار يسند رئاستها إلى الجنرال غاي. وبابكر غاي جنرال سنغالي معروف في الأوساط العسكرية، فقد ترقّى في صفوف القوات المسلحة لبلاده إلى أن أصبح رئيساً لهيئة أركان الجيش السنغالي، ثم قاد قوات الأمم المتحدة في جمهورية الكونجو الديمقراطي طوال خمسة أعوام، قبل أن يصبح مساعداً لأمين عام المنظمة الدولية، ومستشاراً في إدارة عمليات حفظ السلام ومسؤول الشؤون العسكرية في الإدارة ذاتها. وقد ولد بابكر غاي عام 1951 في "سانت لويس" بشمال السنغال، والتحق بالقوات المسلحة السنغالية عام 1970، وتلقى تكوينه في عدة كليات عسكرية، وخدم في بلده ومناطق عديدة أخرى من أفريقيا والعالم العربي. وبعد عامين من حصوله على شهادة الثانوية العامة من مدرسة "سانت ماري دي كور هان" في داكار عام 1968، التحق بالجيش السنغالي وتم ابتعاثه لتلقي التكوين العسكري في كلية "سان سير" العسكرية بفرنسا. ولدى عودته عام 1973، أصبح ضابطاً في سلاح الفرسان والمدرعات، ثم قائداً لوحدة مدرعات "تامباكوندا" تحت قيادة رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في حينه إدريسا فال. وبين عامي 1974 و 1975، شارك في قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة في شبه جزيرة سيناء المصرية. وفي عامي 1978 و1979 كان رئيساً لوحدة المعلومات في الجيش السنغالي، قبل أن يشارك خلال العام التالي في قوة الأمم المتحدة المؤقتة بلبنان (يونيفيل). وفي أغسطس 1981، شارك في عملية "فودي كابا2 " في غامبيا المجاورة، ثم عُين مديراً في المدرسة الوطنية للضباط في تييس. وفي عام 1984 أصبح قائد كتيبة الفرسان بتييس، وبعد أربعة أعوام أصبح رئيس شعبة في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة. وخلال عام 1991 شارك غاي في عملية "عاصفة الصحراء" حيث كان قائداً للفرقة السنغالية المكونة من 495 رجلاً (قتل منهم 92 في حادث تحطم طائرة) ومقرها في الظهران. وبعد عودته، خدم للمرة الثانية قائداً لكتيبة دبابات، لكن هذه المرة في إقليم كازامانس الجنوبي المضطرب. وفي سبتمبر 1993 أصبح أول مدير لإدارة الإعلام والعلاقات العامة للقوات المسلحة، والتي حلت محل "مصلحة الصحافة والسينما". ومنها أصبح في عام 1994 مديراً لإدارة التوثيق والأمن الخارجي (المخابرات الخارجية). وفي الفترة بين 1997 و2000 كان أول قائد للمنطقة العسكرية السادسة في "كولدا"، والتي أُنشأت للعناية بالمربع الحدودي المشترك مع غامبيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري. وفي مايو 2000، تم تعيينه من قبل الرئيس عبدالله واد رئيساً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السنغالية خلفاً للجنرال منصور مامادو سيك الذي قاد الجيش منذ عام 1988. ثم أقيل من هذا المنصب في أغسطس 2003 وعُين منسقاً عن الجيش السنغالي في برنامج "الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب" الذي وضعته الولايات المتحدة لتسهيل التعاون بين الدول وتعزيز قدرات بلدان الساحل ضد الجماعات الإرهابية. وبعد ذلك أصبح في يناير 2004 سفيراً لجمهورية السنغال لدى ألمانيا الاتحادية، ثم ترك المنصب في يوليو 2005 حيث عينه كوفي عنان، أمين عام الأمم المتحدة، قائداً للقوات الدولية في جمهورية الكونغو الديمقراطي (مونوك). وفي يوليو الماضي وجد الجنرال غاي نفسه في تجربة أخرى مختلفة، عندما أسندت إليه رئاسة بعثة المراقبين الدوليين في سوريا، وهي لجنة تشكلت بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي في إبريل الماضي، نصّ على إرسال نحو 300 مراقب عسكري غير مسلح إلى سوريا لمراقبة وقفٍ لإطلاق النار تم التفاوض عليه بوساطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان. وقامت البعثة تحت رئاسته، خلال الشهر الجاري، بعدد قليل من دوريات المراقبة، وزارت نازحين وبعض المستشفيات، لتلاحظ أن أعمال العنف تزداد في أغلب المناطق، وأن المدنيين يتكبدون ثمناً باهظاً جراء ذلك. لكن سرعان ما اضطرها اشتداد المعارك إلى وقف تحركاتها الاستطلاعية والتزام البقاء في الفندق، قبل أن تحزم حقائبها أخيراً وتطوي يوم السبت الماضي آخر صفحة في أول مهمة من نوعها لغاي، بدأت وانتهت دون تسجيل أي نجاح! محمد ولد المنى