كل يوم يمر على الثورة السورية تتعقد فيه الأمور، وتتهتك فيه سوريا من الداخل، وتندفع نحو المزيد من انهيار هذا البلد المنكوب بديكتاتورية بشعة يندر مثيلها في عالم اليوم. اختصار المأساة لا يكون إلا برحيل رأس النظام، واستمراره يعني استمرار حمام الدم ودخول سوريا في عمق المجهول. تعقد الثورة السورية ودخولها نحو المجهول سببه تباعد مواقف الأطراف الرئيسية الدولية الأهم، ولكل أسبابه: الصين، ترى في مسألة التدخل في شؤون الدول باباً لو انفتح على سوريا فقد لا يستثنيها يوماً، وهي التي تعاني من أزمات داخلية محتملة مستقبلاً، وبوادر اضطرابات عرقية وشرر ثورات في أقاليمها الإسلامية والتبت البوذية، ولو أقرت بمبدأ التدخل الدولي لحماية شعب من نظامه، فكأنما وضعت رقبتها على المذبح بمحض إرادتها مستقبلاً، لذلك هي تعارض التدخل الدولي لإنقاذ الشعب السوري من نظامه ولو تطلب ذلك فناء الشعب كله. وروسيا لن تتخلى عن نظام الأسد بأي حال من الأحوال، ليس لأنها ديكتاتورية تدعم ديكتاتوراً أو لأن بسوريا قاعدة بحرية روسية هي الأخيرة من تركة الاتحاد السوفييتي خارج روسيا، ولا لأن حجم التبادل التجاري والعسكري بين سوريا وروسيا مرتفع -وهو ليس كذلك- وحسب، ولكن لأن روسيا تخشى البعد الإسلامي بسقوط النظام السوري. تشير التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون اليوم بروسيا ما نسبته 14 بالمئة من سكان روسيا الاتحادية، وهم الغالبية بجمهوريات ما بين البحرين: الأسود وقزوين، حيث الشيشان والشركس والأنغوش والتتار والداغستان وغيرهم، ومن المتوقع أن يشكل المسلمون أغلبية بروسيا خلال عقود إذا استمرت نسبة زيادتهم 6. بالمئة بينما يتراجع عدد الروس بنفس النسبة السنوية 6. بالمئة بسبب انخفاض عدد مواليد الروس ومعدلات العمر المنخفضة بينهم. وتشكل هذه الزيادات هاجساً مرعباً للروس الذين خبروا نوعاً جديداً من الإسلام السلفي الجهادي المغاير لما عرفته تلك الشعوب من الإسلام الصوفي المهادن الذي وصل إلى روسيا في العصور الوسطى، وتم قمعه مثل أي دين آخر من قبل الشيوعية السوفييتية، وعاد للحياة مرة أخرى بعد زوال السوفييت ولكن بصيغ جديدة تتطلع للانفصال وإقامة الدول الإسلامية، وهنا يكمن الهلع الروسي، ففي مناطق المسلمين تكمن ثروة روسيا من النفط والغاز، ويعيش سكانها حالة من الفقر والقهر في بلد تحكمه المافيات وتجار الأسلحة والحروب والمخدرات وينزلق نحو الشمولية المطلقة في عهد بوتين. تعتقد القيادة الروسية ومفكروها جازمين أن سقوط بشار الأسد سيفتح منطقة القوقاز على مصراعيها لهجرة السوريين من أصول روسية أو من تلك الأقليات المسلمة، وعلى رأس هؤلاء الشركس الذين يبلغ عددهم ما بين 60-100 ألف، وهم من المقربين لنظام الأسد، الأمر الذي يعني هجرتهم حال سقوطه إلى مناطق البحر الأسود بالقرب من منتجع سوتشي حيث تنظم ألعاب الأولمبياد الشتوية عام 2014، وسوف تحمل تلك الهجرات حتماً معها أفكاراً تتعارض مع المصالح الروسية المحتكرة لخيرات تلك المناطق. يرى الروس في الربيع العربي شراً مدمراً لهم ولمصالحهم، ومدعاة لتفجير ثورات بمناطق النفط والغاز الإسلامية، ولكن للأميركيين رأياً آخر: إشعال منطقة الشرق الأوسط ووسط غرب آسيا والقوقاز بحروب طوائف تضمن شيئين: أمن إسرائيل وإشغال روسيا والصين وإضعافهما بهذه الحروب التي سوف يطالهما حتماً لظاها، وبالتالي دخول العالم في حرب شبه كونية دون تدخل غربي-أميركي غير معروف النتائج لعل الغرب يقطف ثمار نتائجه الاقتصادية. باختلاف مواقف الكبار حول سوريا، وبانعدام تفويض واحد من مجلس الأمن، فإن مآل مهمة المبعوث الدولي الجديد -الأخضر الإبراهيمي- كمصير سابقه: الفشل الذريع.