عندما أقيمت "دولة إسرائيل" عام 1948، أعلن مؤسسوها أنها لن تكون دولة يهودية فقط، بل دولة ديمقراطية يتمتع فيها كافة "المواطنين" بالسلام والمساواة في الحقوق المدنية، بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو أصلهم أو جنسهم. لكن، من وقائع الأدبيات السياسية والممارسات العاكسة للاستراتيجية الصهيونية، بات معروفاً أن الهدف الأسمى لكل الأحزاب السياسية الإسرائيلية هو الحفاظ على وجود دولة إسرائيل "كوطن قومي آمن ذي أكثرية يهودية (للشعب اليهودي) في أرض إسرائيل"، وذلك على أساس مبدأ قوامه هدفان مركزيان هما: "أرض أكثر" و"عرب أقل". وهذا المبدأ ببساطة هو الهدف "الأسمى" لإسرائيل، وذلك عبر اتجاهين: أولهما يتم عبر تطبيق السياسة الإحلالية (الاستعمارية الاستيطانية) في السيطرة على الأرض، سواء عبر (أ) المستعمرات (المستوطنات) التي تقام على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، أو عبر (ب) رزمة مشاريع تستهدف من تبقى في أرض فلسطين المحتلة عام 1948. وثانيهما: يركز على طرد الفلسطينيين، سواء كما حدث في "نكبة" 1948 أو "نكسة" 1967 عبر "ترانسفير" إرهابي صريح، أو ما بات يسمى اليوم "ترانسفير ناعم" من خلال قوانين عنصرية وفاشية هدفها إجبار الفلسطينيين على مغادرة بلادهم. لذا، يسعى فلسطينيو 48، عبر أساليب نضالهم العديدة في وجه العنصرية الإسرائيلية، لتثبيت حقهم وتأكيده في أرضهم. ومن هنا، جاءت مطالباتهم، ضمن إمكاناتهم، بالمساواة في المواطنة داخل الدولة الصهيونية. فإسرائيل التي لا تكتفي بالاستيلاء على الأراضي ومصادرتها وتهويدها، تسعى لمصادرة التاريخ بل والاستيلاء على الذاكرة الجمعية التاريخية لشعب بأكمله، حيث تدمر القرى والمدن العربية وتبني أخرى لـ"شعب الله المختار". ولقد تفاقم الحال بعد انتهاء سيطرة مرحلة الأحزاب "اليسارية" على الحكم في إسرائيل وذلك منذ نشأتها، فحدث "انقلاب" 1977 بسيطرة اليمين، ليعقبه اليمين المتطرف، ليس على الحكم فحسب بل وعلى الإعلام وعلى عقول شرائح المجتمع الإسرائيلي أيضاً، فأصبحت الانتخابات والاستطلاعات الأحدث، على حد سواء، تصب في صالح اليمين المتطرف وأفكاره. وجاء في تقرير "مجموعة الأزمات الدولية"، المعنون "العودة إلى الأساسيات: الأقلية العربية في إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، أنه "فيما يبقى الاهتمام العالمي منصباً على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن هناك صراعاً آخر وثيق الصلة بالصراع الأول داخل إسرائيل نفسها، قد لا يكون أقل خطورة. فخلال عقد من الزمن، تدهورت العلاقات اليهودية العربية داخل إسرائيل على نحو مستمر. فالأغلبية اليهود تنظر إلى الأقلية الفلسطينية على أنها غير موالية، ومخربة. وبالنظر إلى ارتفاع معدلات الولادة في أوساطها، فإنها ترى فيها تهديداً ديموغرافياً". وأضاف تقرير المجموعة: "المواطنون الفلسطينيون مهمشون سياسياً ومحرومون اقتصادياً، وباتوا أقل قبولاً لانعدام المساواة المنهجي، وأكثر استعداداً لمواجهة الوضع الراهن. كما يُعقِّد التفاعل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المسائل عندما تتعثر المفاوضات بقضية جوهرية -وهي ما إذا كان الفلسطينيون سيعترفون بالهوية اليهودية لإسرائيل- فيلهب العلاقات بين المجموعتين". معدل حالات الفقر في أوساط الأسر الفلسطينية في "إسرائيل" ثلاثة أضعاف معدله لدى الأسر اليهودية. ومما يفاقم المشكلة تفشي البطالة في أوساط فلسطينيي 48 واستبدال العمالة الأجنبية بهم، حيث استوردت إسرائيل قرابة 300 ألف عامل أجنبي خلال العقد الأخير. بالمقابل، يعيش نحو 50 في المئة من فلسطينيي 48 تحت خط الفقر، وذلك بسبب السياسات الإسرائيلية التمييزية تجاههم. ويتوقع "عاص الأطرش"، مدير "معهد يافا للأبحاث الاقتصادية"، أن يصبح هذا الوضع أسوأ "بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي عاشته إسرائيل في الربع الأخير من 2011، وسيتكرر هذا العام بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي". ثم يضيف أن "إسرائيل اعترفت منذ عشرين عاماً بوجود فجوة كبيرة بين العرب واليهود من الناحية الاقتصادية بسبب السياسات التمييزية نحوهم". كما أشار إلى أن "إسرائيل عاشت فترات ازدهار اقتصادي بين 1995 و1999 وبين 2003 و2008، لكن لم يتغير شيء اتجاه العرب لأن إسرائيل تتبع سياسة تفضيل نحو اليهود. فإذا انتعشت اقتصادياً سينتعش المجتمع اليهودي وإذا انتكست اقتصادياً فستكون نسبة الفقر عند العرب أعلى لأنهم لن يجدوا الدعم الحكومي الإسرائيلي". وفي هذا السياق، قال "جعفر فرح"، مدير "مركز مساواة"، إن الحكومة الإسرائيلية "رصدت للعرب 6,25 في المئة فقط من ميزانية 2012 المقدرة بنحو 95 مليار دولار". وأشار إلى بنود عديدة في ميزانيات الوزارات تستثني العرب بينما ترصد مليارات الدولارات لبرامج خاصة باليهود فقط، ومنها ما هو معد لاستيعاب المهاجرين الجدد من اليهود. ومن جهته، يرى البروفيسور "عزيز حيدر" بالجامعة العبرية، أن "المشكلة الأساسية للحالة الاقتصادية للعرب تكمن في الأرض. فالعرب يملكون 60 في المئة من الأراضي لكن ليس لهم حق التصرف بها لأنها مضمومة إلى مجالس محلية وإقليمية يهودية وبالتالي لا تستطيع هذه المجالس عملياً التخطيط لإقامة مناطق سكنية أو صناعية". ومنذ انهيار عملية التسوية مع انتفاضة الأقصى عام 2000، واستشهاد 13 فلسطينياً من أراضي الـ 48 خلال احتجاجات أكتوبر، بدأ هؤلاء تنظيم تظاهرات وتجمعات تضامناً مع سكان قطاع غزة والضفة الغربية، مما عزز التصور لدى اليهود الإسرائيليين بأن "مواطنيهم" من الفلسطينيين يتحالفون مع ألد أعدائهم، فيما تعزز الشعور بين الفلسطينيين العرب بأن لا مكان لهم في إسرائيل، وباتوا يؤكدون على هويتهم الفلسطينية وينأون بأنفسهم على نحو متزايد عن السياسات الرسمية الإسرائيلية. ويواجه فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 جملة قضايا تشكل تحدياً لهويتهم الوطنية، منها الأوضاع السياسية والاقتصادية. وفي هذا المجال، تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير سابق لها قائلة: كيف يمكن للعرب التوفيق بين هويتهم كمواطنين في دولة يهودية، وما هو الدور المناسب لأقلية عربية متنامية في ظل دولة تؤكد أنها ديمقراطية ويهودية؟ وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن "إعلان استقلال إسرائيل" قبل 64 عاماً تعهد بمساواة كاملة في الحقوق السياسية والاجتماعية لجميع سكانها، لكن متوسط الدخل لدى الفلسطينيين -الذين حصلوا على الجنسية ويشكلون 20 في المئة من السكان- لا يزيد عن ثلث الدخل لدى نظرائهم اليهود.