جاء تكليف الأخضر الإبراهيمي بمهمة إيقاف لعبة الموت المهيمنة في سوريا ليسجل رقماً جديداً في مبادرات الحل لهذه المهمة، وفي هذا السياق، ينبغي تصويب الفكرة الخاصة بمعالجة الأزمة السورية، فهذه الفكرة لم تنشأ أولا بأول مع ما قدمه نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية بصيغة " المبادرة لإيقاف حمام الدم في سوريا. فقد كانت أي الفكرة قد سبقت ذلك حيث ظهرت في مؤتمر الحوار الاستشاري الذي انعقد في دمشق ( في المنتجع العمالي بصحارى)، وتلبية لدعوة السلطة السورية. وما حدث في ذلك تمثّل في رفض المعارضة السورية الاستجابة لها(أي للدعوة)، ولعلّي كنت الوحيد من المعارضة المعلنة، الذي لبّى تلك الدعوة، في حين بدأت مجموعات من المعارضة السورية تجد طريقها إلى اسطنبول. بدأ مؤتمر الحوار( الاستشاري) بمدافعة قدمتها، حيث أعلنت بوضوح تام أنني كنت أتمنى أن يبدأ هذا المؤتمر، بعد إسكات أزيز الرصاص في درعا وحمص وغيرهما. وأشرت إلى أنه من العار أن يفتح مؤتمر حواري تحت قبضة رصاص يؤدي إلى هدر دماء سورية، إضافة إلى ذلك، طالبت بإعلان ما يبثّ في هذا المؤتمر في الإعلام السوري. وكان ما شدّدت عليه قد تمثل في ضرورة إنجاز خطوات حاسمة تتمّم استراتيجية إنهاء الأزمة. ومن أهم هذه الخطوات، أولاً: إطلاق سراح كل معتقلي الرأي والضمير ومن يدخل في حقل الاعتقال السياسي. وثانياً: تشكيل محكمة وطنية برقابة دولية تحاكم من أصدر أوامر القتل ومن أشرف على تنفيذها ومن نفذها. التأسيس لمؤتمر وطني شامل برقابة قانونية دولية يقوم بالتهيئة لانتخابات برلمانية ولأخرى تتصل بالرئاسة. واليوم يأتي الأخضر الإبراهيمي ليجد نفسه أمام ذلك الإرث الطويل والثقيل، فينتبه إلى أن الحريص الذكي لا يلدغ من جحره مرتين. فيطالب بأن تأتي استجابته مشروطة بشرط حاسم أن لا يكون الطريق مغلقاً لأسباب اتضح أن من يأخذ بها من المسؤولين ، لا يملك موضوعية الموقف ولا شرف الضمير، أي أن تتدمر جهوده بمجرد أن يقول مثل هذا الشخص المعني لا ، بحجة أنه يملك حق النقض، كما هو الحال مع روسيا ودول أخرى. من هنا جاء التردّد العقلاني، الذي أبداه هذا الرجل النبيل الإبراهيمي، فحق النقد ذاك إن جاء بكيفية قانونية واضحة، إلا أنه يفتقد شرف الرؤية الإنسانية حيال أحداث دموية عظمى كتلك التي تعيشها سوريا الجريحة. من هنا، يجئ الحذر من تلك اللعبة، لعبة الموت، التي يمارسها من لا ينتمي إلى شرف الإنسانية المظلومة. في ذلك الإطار، يتحول العمل على صعيد الحلول المطروحة للأزمة السورية، إلى جهد خبيث وفاسد يلبس لبوس القانون، وهو الجدير أن يحكم بإسم القانون. ها هنا تبرز الإشكالية، دعوة إلى إعادة بناء الموقف كله، وحين يظهر أن لعبة الموت المذكورة ستظل مخيّمة على كل الجهود النبيلة، التي تأتي لتجيب عن ذلك، فإن ما ينبغي أن يحدث لا يمكنه أن يتجاهل أمرين حاسمين. أما الأول منهما، فيظهر في أن البشر حين يكتشفون أن جهودهم تذهب هباء في الدفاع عن المظلومين، فإنهم يجدون أنفسهم أمام واجب مقدس، هو الدفاع عن أنفسهم بكل ما هو محتمل، ويمتلك شرعية الإنسانية. أما الأمر الثاني فيفصح عن نفسه في التصميم العالمي على إعادة بناء المؤسسات الدولية وفق هذا.