على ما يبدو، فإن الحجة الاقتصادية الأساسية التي يقدمها أوباما في حملة إعادة انتخابه رئيسا لولاية ثانية هي: أن لديه العذر الكافي الذي يمكن أن يبرر به البطء البالغ في التعافي الاقتصادي، والخروج من دائرة الركود العميق الذي ضرب بلاده خلال السنوات 2007 -2009 . يتمثل ذلك العذر في أن حالات التعافي الاقتصادي بعد الأزمات المالية دائما ما تكون بطيئة. في هذا السياق قال الرئيس في الخطاب الذي ألقاه في "أوهايو" وبلهجة كررها مسؤولوه في أكثر من مناسبة أن"هذا الركود ليس من النوع الذي يمكن اعتباره عاديا" وأن الدول، عبر التاريخ، كانت تحتاج إلى فترة يمكن أن تصل إلى عشرة سنوات للخروج من أزمة مالية بهذا الحجم. ليس هناك شك في أن الأزمات المالية كانت تقترن دوما بتعافٍ أكثر بطئا وهو الأمر الذي وثقه العالمان"كارمن رينهارت" وكينيث روجوف" في كتابهما الفائق الأهمية المعنون" الزمن مختلف". ولكن الدراسة التي ضمناها الكتاب، والتي غطت عدة دول في مناطق مختلفة من العالم لا يمكن استخدامها كتبرير منطقي للسياسات الاقتصادية المقدمة من قبل إدارة أوباما. وفيما يلي السبب: المشكلة الأولى التي يمكن أن يواجهها الرئيس هنا هي أن النتائج التي توصل إليها"رينهارت" و"روجوف" لا تنطبق بالضرورة على الولايات المتحدة. فعلماء الاقتصاد الآخرون الذين أجروا دراسات تاريخية على الاقتصاد الأميركي عقب الأزمات المالية المختلفة، وجدوا أن التعافي بعد تلك الأزمات لم يكن بطيئا. من أمثلة هؤلاء العلماء "مايكل بوردو" الأستاذ بجامعة "راتجرز" و"جوزيف هاوبريتش" الخبير بالاحتياطي الفيدرالي لولاية كليفلاند اللذين توصلا بعد دراسات مكثفة لتاريخ الركود في الولايات المتحدة لنتيجة مؤداها أنه وعلى النقيض من النتائج التي توصل إليها" رينهارت" و"روجوف" فإن حالات الركود المنبثقة من الأزمات المالية في الولايات المتحدة، كانت تنحو دوما لأن تكون متبوعة بفترات من التعافي ذات الوتيرة الأسرع. ولكن الركود الذي ضرب الولايات المتحدة خلال السنوات2007-2009 يعتبر شذوذا عن هذه القاعدة كما يرى "راتجرز" و"هاوبريتش. ويذكر أن الميزانية التي قدمها أوباما بعد فترة قصيرة من توليه منصبه قد اشتملت على هدف يتمثل في تحقيق نمو تدريجي في الدخل المحلي الإجمالي يتصاعد تدريجياً إلى أن تصل نسبت زيادته في العام الحالي إلى 4.6 في المئة. وحتى بعد أن تبين أن تلك التقديرات لم تكن صحيحة إلا أن الإدارة استمرت مع ذلك في التنبؤ بنسبة نمو مرتفعة، وظلت دوما تتنبأ بإمكانية تحقيق تعاف سريع خلال فترة وشيكة. وحتى لحظتنا هذه نجد أن أوباما مازال يلمح ضمنيا أننا سوف نمر حتما بتعاف بطيء قد يمتد لخمسة سنوات اضافية. وتسعى الإدارة حسب تقديراتها إلى أن تصل نسبة زيادة الدخل المحلي الإجمالي على ضوء الظروف الحالية إلى 4.1 في المئة بحلول عام 2015. وهذه التنبؤات القائمة على النمو المرتفع ليست تنبؤات مقدمة من قبل أكاديميين، وإنما من قبل خبراء في فريق أوباما الاقتصادي، لأن هؤلاء الخبراء يستطيعون أن يبرروا الزيادة المقترحة في الميزانية من جانبهم في حالة واحدة فقط، وهي أن يؤكدوا أن النمو سوف يكون مرتفعا للغاية، لدرجة تمكن الولايات المتحدة من التعامل مع الآثار التي تقترن عادة برفع معدلات الضرائب. وتنبؤات الفريق الاقتصادي لأوباما تتوافر على قدر من الاتساق الداخلي على العكس من خطاب الرئيس نفسه أثناء الحملة الانتخابية الحالية، والذي يتسم بعدم الاتساق مع تحليلات فريقه. قصارى ما يمكن قوله بشأن هذه الجزئية هو أن السياسات السابقة تغدو محل مساءلة إذا ما قبل المرء بأن"رينهارت" و"روجوف" كانا على صواب وأننا متجهون حتما نحو تعاف مطول. أن التحفيز "الكينزي" مثل ذلك الذي اقترحته إدارة أوباما عام 2009 يكون ملائما عادة في ذلك النوع من الركود الذي يتوقع أن يكون قصير الأمد وعميق في الآن ذاته، ومتبوعا بتعاف سريع وقوي. ومثل هذا النوع" الكينزي" من التحفيز، ينقسم إلى ثلاث مراحل: الأولى وتتمثل في الزيادة الأولية القصيرة الأمد في الناتج القومي الإجمالي نتيجة لزيادة الإنفاق. الثانية، فترة مماثلة في المدة تقريبا من الانخفاض في الناتج القومي الإجمالي بعد أن ينفذ مفعول حزمة التحفيز. والثالثة، وتتمثل في انخفاض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي عندما يتبين أن زيادة الاقتراض أو زيادة الضرائب غير فعالة على الأرجح، لأن الأثر المتبقي من المرحلتين السابقتين يمكن أن يدفع الاقتصاد للوراء ليعيده مرة ثانية إلى منطقة الركود. وفي مثل هذا العالم، تكون السياسات التي تؤدي لنمو طويل الأمد مثل سياسات التعزيز المالي، أو الإصلاح الضريبي، فعالة في أغلب الأحيان، ومفضلة كذلك على التحفيز " الكينزي". أما إذا ما كنا تتوقع أن الركود سوف يكون طويلاً وممتداً، فإن التعافي" الكينزي" لن يكون فعالاً في مثل هذه الحالة. نخلص مما سبق أن الفريق الاقتصادي لإدارة أوباما يلمح إلى وجود أخطاء في التشخيص أو في وصفة العلاج أو ربما في الاثنين معا. وإذا ما اعتقدت إدارة أوباما أن تحليل"رينهارت" و"روجوف" صحيح، فإن عليها في هذه الحالة الإقرار بأنها قد أخطأت عندما اقترحت حزمة تحفيز تؤدي لتعزيز النمو لفترة قصيرة فقط، وعليها بعد ذلك أن تتوقف عن المطالبة بإجراء زيادة هامشية في معدلات الضرائب. أما إذا ما أصر أوباما على الاستمرار في الزعم بأن حزمة التحفيز كانت هي السياسة الاقتصادية السليمة، وأننا قادرون على تحمل الآثار المرافقة لزيادة الضرائب لأن النمو سوف يكون مرتفعا جدا في الأمد القصير، فإن من واجبه في هذه الحالة الاعتراف بأن النتائج التي توصل إليها" رينهارت" و"روجوف" لا تفسر بطء التعافي الحاصل في الاقتصاد الأميركي، وأن السبب الأكثر احتمالا هو فشل سياسات إدارته في المقام الأول. ــــــــــــــــــــــــ كيفين هاسيت جلن هبارد كاتبان ومحللان سياسيان أميركيان ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"