اختيار المرشح الجمهوري المفترض للانتخابات الرئاسية ميت رومني لبول رايان، رئيس لجنة المالية في مجلس النواب، مرافقاً له في السباق إلى البيت الأبيض، يؤكد أن حملته الانتخابية ستركز في المقام الأول على المواضيع الداخلية، اللهم إلا إذا وقع هجوم إسرائيلي غير مستبعد على إيران في غضون ذلك. وبشكل عام، يمكن القول إنه لن يكون هناك اهتمام كبير بالسياسية الخارجية الأميركية خلال الإدارة المقبلة على الأرجح؛ والحال أن الشؤون الخارجية ستمثل أهم موضوع من بين جميع المواضيع التي تنبغي معالجتها في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة الكثير من التحديات الخارجية خلال المرحلة المقبلة. ويمكننا أن نتوقع أن تتعاطى الحملة الانتخابية بشكل مهووس مع الإيديولوجيات والأفكار المتصادمة حول الاقتصاد والضرائب والتي تحرك نقاش الحزب الجمهوري، ودفعت البلاد نفسها، تحت الإدارات الجمهورية السابقة، عميقاً في العجز والمديونية، وذلك منذ أن أعطى الرئيس الأسبق رونالد ريجان (الجمهوري) مباركته للتعاليم التي تقول إن خفض الضرائب على الأغنياء يؤدي إلى ارتفاع المداخيل الضريبية للحكومة، وأن دينامية بلد ما إنما تنتج عن المنافسة السوقية المتحررة من التقنين أو الحكومة (أو الانتباه المفرط للقانون)، وأن الاحتياجات الاجتماعية للمجتمع تلبى على نحو أفضل من قبل المقاولات الخاصة التي تعمل من أجل امتياز الربح التنافسي. المقاولون أو رواد الأعمال هم نوع من الأبطال، ومنتقدوهم هم الأشخاص المسؤولون عن القيود الاشتراكية التي عانى تحتها الأميركيون منذ عام 1932 إلى حين تحريرهم عبر تنصيب دوايت آيزنهاور في الرئاسة عام 1953. بل وحتى آيزنهاور يظل شخصية مشكوكاً فيها بالنسبة للجمهوريين الأقحاح، لأنه "تلطخ" بالتكوين الذي تلقاه في البيئة الاشتراكية لـ"الجيش النظامي" القديم وحياة مهنية قضاها في التعامل مع الأجانب في الخارج. وتأسيساً على ما تقدم، يمكن القول إنه سيتعين على الخارج أن يعتني بنفسه في حال انتخاب تذكرة رومني -رايان، الأمر الذي يمكن أن يمثل ربما شيئاً جيداً لكل المعنيين بالدَّين الوطني ودوخة الصراع الداخلي من أجل صرف انتباه إدارة جديدة عن المغامرات العالمية، وهو شيء كانت الأجيال السابقة من الجمهوريين تميل عادة إلى تركه للديمقراطيين. غير أن حزب العزلة الوطنية عن عالم فاسد كان خلال العقود الأخيرة تحت إدارة المحافظين الجدد في السياسة الخارجية، ويجنح إلى الحروب والخيارات العسكرية. وفي هذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى أن شعار حركة الشاي هو "لا تسئ معاملتي"، وهو مقتبس من الثورة الأميركية. وعلاوة على ذلك، فإن قيادة الحزب تؤمن بفكرة أن العالم ينبغي أن يكون مجالا لنفوذ أميركا، وهي تركة للمحافظين الجدد من الثورة الدائمة التروتسكية (نسبة إلى منظر الثورة الروسية ليون تروتسكي)، والتي تقول بأن العالم قابل لإعادة التشكيل، وإنْ بالأيديولوجيا الثورية الأميركية الآن، وليس بأيديولوجيا خصم ستالين وضحيته. والواقع أنه لا ميت رومني ولا بول رايان يبدوان قريبين من أيديولوجيا الصقور التي أفضت إلى الانتشارات العسكرية الحالية للولايات المتحدة في كل من آسيا وآسيا الوسطى، ثم في إفريقيا على نحو متزايد. لكن اللافت هو أنه ليس لديهما على ما يبدو أي موقف فكري واضح على الإطلاق، ما يعني أنهما قد يصبحان بسهولة أداتين في أيادي آخرين لديهم أديولوجيات عدائية خاصة بهم. ومما لا شك فيه أن حكومة بينيامين نتنياهو في إسرائيل تعول على الجمهوريين أكثر من باراك أوباما، من أجل دعم أو تعزيز أي هجوم إسرائيلي على إيران، لاسيما أن رومني نفسه أعلن أن القدس في رأيه تشكل جزءا! لا يتجزأ من إسرائيل! ويشير الواقع إلى أن اهتمام رومني بالصحوة العربية وحتى بالحرب الأهلية في سوريا، كان سطحياً تعوزه الحماسة، في أفضل الأحوال. غير أنه وزملاءه سيدعمون دعما مطلقا، بدون شك، النزعة الحربية التي تسيطر على البنتاجون حالياً، مع دعم من ديمقراطيي أوباما، وهي نزعة تم التعبير عنها بوضوح في بيان صدر في يناير 2012 يعيد التأكيد على العقيدة العسكرية الكونية التي تقول بأن أميركا يجب أن تكون باستمرار أقوى من كل خصومها الممكنين مجتمعين. ومثلما قال آندرو باسيفيتش حول موضوع قيادة الدولة والاستراتيجية الأميركية، فإن "واشنطن أصبحت منطقة ميتة فكرياً". ومن جانبه، يبدو أن الرئيس باراك أوباما قد عين نفسه كبير المخططين الاستراتيجيين للحرب الأميركية الجديدة، ضد المتمردين السياسيين، ومثيري الشغب في الصحراء الكبرى والقرن الإفريقي، إضافة إلى المهمة الصعبة المتمثلة في بناء دول في السودان والصومال. هذا إضافة إلى إشرافه الشخصي على ما يرقى إلى مافيات أميركية جديدة للجريمة المنظمة، حيث يبحث عن الأشرار من أجل قتلهم، وهم كثيرون جداً. والحال أن هناك مهاما أفضل وربما أكثر إيجابية، ليقوم بها.