كلمة "طز" التي انتعشت لدى مرشد "الإخوان المسلمين" السابق مهدي عاكف في أكثر من موقف لم تنل حقها من التعليق أو الرد من ناحية استمراء هذا المرشد استخدامها، حتى استهوته وصار يرددها على مسامعنا بين الحين والآخر، ويوسع دائرة المشمولين بها في كل حوار إعلامي يكون ضيفاً فيه حتى وهو خارج إطاره الرسمي في الجماعة. "عاكف" عندما استخدم الكلمة في أول مرة كان يشغل منصب مرشد "الإخوان المسلمين" في مصر، ويومها قال "طز في مصر واللي في مصر"؛ فكانت الرسالة واضحة أن الناجين من هذه "الطز" الجماعة وأعضاؤها فقط. ولم يعتذر عن ذلك؛ بمعنى أن المسألة لم تكن زلة لسان أو خطأ غير مقصود كما يمكن أن يتداعى لأحد. مثل هذا الأسلوب لا يمكن أن يخرج من شخصية يفترض على الأقل من ناحية أنه يمثل جماعة دينية، وبالتالي لا يمكن أن يغفر له المجتمع ذلك. قبل فترة هدد عاكف أي شخص ينتقد الإخوان "بضربه بالجزمة" -وأنتم بالكرامة- ويوم الجمعة الماضي وفي حوار مع طوني خليفة في برنامج "زمن الإخوان" على قناة "الناس والقاهرة" ردد المرشد السابق كلمة "طز" مرة ثانية، وطز الجديدة هذه المرة في الذي لا يقبل بحكم الإسلاميين؛ بمعنى أن الموضوع اليوم أشمل وأكثر توسعاً ويتعدى حدود مصر وحدود التيارات الأخرى؛ لأن الإسلاميين اليوم موجودون في العديد من المناصب السياسية في الدول العربية، والمؤكد أن هناك من لا يقبل بحكمهم أو أن لديه تحفظات، وهذه طبيعة بشرية. وربما السبب في كثرة استخدام عاكف لكلمة "طز" يعود إلى أنه لا يريد أن ينساه الناس بسهولة، وبالتالي يربط ذهنية الناس به كلما صعب الأمر على أحد أن يقول له عاكف صاحب كلمة "طز". أو ربما هذه الكلمة محببة على لسانه، وبالتالي يكثر استخدامها فصار يخرج علينا بين الحين والآخر كي يرددها، ولا ندري في المرة القادمة على من ستقع هذه "الطز". مصطلح "جماعة طز" كما جاء في عنوان المقال بدأ يتناقله الرأي العام ويقرنه بمهدي عاكف، والخوف أن تتوسع العبارة لتشمل الجماعة، باعتبار أن الذي أطلقها كان مرشداً لها. وبالتأكيد هو ليس مصطلحاً سياسياً متعارفاً عليه في نظريات العلوم السياسية، كما قد يعتقد البعض، بل هو مصطلح جديد تمكن نسبته إلى عاكف، الذي ربما يريد أن يترك "بصمة" لسجله الشخصي بهذه الكلمة. أعتقد أن من حق أي شخص أن ينتقد مخالفيه في الرأي وفي القناعات السياسية، وهذا أمر طبيعي وهكذا يكون الأمر في المجتمعات الديمقراطية. كما أنه من الطبيعي أيضاً أن يكون هناك أناس غير راضين بحكم الإسلاميين، لأنه لا أحد معصوم سواء في مصر أو غيرها. لكن، أن يكون الرد بالشتم والسباب، مثل "الضرب بالجزمة"، والتهديد بإثارة العالم ضد دولة كما حصل من محمود غزلان من قبل، والتلفظ بكلمات لا تليق بمرجعيات دينية وعلمية على شاكلة ما صرح به القرضاوي ذات مرة، فهذا أمر غير طبيعي، وبالتالي يستدعي الرد والتعليق عليه، وإلا صار نهجاً لأصحاب هذا التيار. كلمة "طز" مفردة مثيرة ومستفزة لنا كرأي عام. وبعد أن تكررت، فإن الخوف أن تصبح من المفردات الدارجة في لغة الحوار اليومي، خاصة وأن المجتمعات العربية تحاول الآن بناء لغة حوار تقبل بكل الآراء، وبالتالي ينبغي انتقاء الكلمات. أعرف أن هذه الكلمة لا يتم تداولها بين الناس إلا في الشوارع، وكان يجب على من يضطر لاستخدامها أو التلفظ بها أن يتردد أو يختار كلمات أقل حدة وتطرفاً! هذا الرأي إنما هو من باب رصد بعض السلوكيات لممثلي هذا التيار، لكن المسألة أصبحت مزعجة بالنسبة لنا، ومن حقنا بالتالي أن نقول للمرشد السابق وغيره إنكم تزرعون قيماً جديدة في المجتمع كانت منبوذة. تعودنا من الإعلام كشف المستور عن حقيقة الأشياء، وربما نحن بصدد معرفة الكثير عن أصحاب هذا التيار بعد أن أخذوا وضعهم السياسي وصار الزمن "زمن الإخوان" فصرنا نسمع كلمات من "الأدب السياسي الجديد" الذي يعبرون فيه عن رأيهم بصراحة، وربما لم تعد الكلمات التي كانت مزعجة في السابق كما هي في "زمن الإخوان". الاختلاف في استخدام الألفاظ بين التيارات السياسية عموماً وتلك التي لها سمة دينية أن التيارات السياسية يجوز لها استخدام ما لا يجوز للتيارات الدينية، ومع ذلك لم نسمع من يقذف من يختلفون معهم بمثل هذه الكلمات على الأقل. هناك أسباب تجبر التيارات السياسية الدينية على عدم استخدام مثل هذه الكلمات، وهي القيم الدينية والأخلاقية، فالدين "أخلاق وقدوة نزيهة"، وبالتالي فإن هذه المصطلحات لا يجوز استخدامها في مواجهة الخصوم. قد يكون هذا الأسلوب مخرجاً للمرشد من مأزق إعلامي لا يستطيع الخروج منه بمخرج سياسي وفي المجمل هذا ليس مبرراً لأن يعوّد المجتمع على سلوكياته ولغة الحوار الجديدة لأصحاب هذا التيار. أنا أعتقد أن جملة المواقف التي ظهرت حتى الآن من تيار "الإخوان" في العديد من المواقف تكشف الموقف الحقيقي لهم، وقد سمحت لهم الظروف السابقة بأن يكونوا غير واضحين للرأي العام، حيث إن هناك أشياء كثيرة لم يكونوا يرغبون في أن يظهروها بسهولة، وبالتالي فإن الوجه الغامض أو الآخر سيظهر مع مرور الوقت. إنهم الآن أمام اختبار جديد، وهذه إحدى إيجابيات السياسة. المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية تستدعي ممن يمثل الشعب أن يحترم اختياراته في كل شيء، بما فيها مخاطبته واختيار المفردات التي تليق به، حتى لا تؤثر على ما تعلمناه في المجتمع على أنه "عيب"، ونخلق بالتالي تشويشاً ونشتت حوله الأذهان. نقطتان ينبغي أن يستوعبهما المرشد الإخواني السابق: الأولى، أن التاريخ سيكون شاهداً على اللغة التي يستخدمها في حواره مع معارضيه والرد عليهم. والثانية، أن عليه تقديم مصلحة الوطن والمجتمع على جماعته، وبالتالي عليه أن يرى المجتمع بشمولية أكبر ويتوقف عن استخدام الـ"طز". محمد خلفان الصوافي sowafi@hotmail.com