تحدثنا عن جوانب عديدة من حياة أهل مكة قبل الدعوة الإسلامية والقرن الهجري الأول، كما فصلتها الباحثة الدكتورة إلهام أحمد البابطين في كتابها "الحياة الاجتماعية في مكة منذ ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأموي". لكن ماذا عن الألبسة والأنسجة التي ارتداها عرب مكة والحجاز خلال تلك المرحلة؟ المعروف أن الأقمشة كانت تستورد من الشام ومصر والعراق وفارس والهند، وكانت نساء مكة يلبسن الثياب الشامية والمصرية، ومنها ثياب مضلعة من "ابريسم"، وهو أحسن الحرير، يؤتى بها من مصر، وثياب شامية واسعة الأكمام. "ولبست أم المؤمنين عائشة إزاراً غليظاً من مناسج اليمن"، كما جاء في مسلم وابن ماجة والطبري. ومع الفتوح الإسلامية أخذت الصلة بين العرب والمناطق الخاضعة للروم تتحول إلى اندماج وتلاحم بينهم بعدما أصبحوا يعيشون جميعاً في ظل الدولة الإسلامية. كما شكلت الأنسجة أحد موارد الدولة الإسلامية العينية، فالرسول صلى الله عليه وسلم، صالحَ نصارى نجران على أشياء منها ألف حُلة، وفي صلحه مع يهود خيبر، أمرهم أن يخلون بينه وبين ما كان لهم من بَزِّ، وهو نوع من الثياب. كما أمر عماله على الأقاليم والمناطق الأخرى بتحصيل الجزية والزكاة بما يعادل قيمتها من المنسوجات. وكانت الدولة تقوم بتوزيع تلك الملابس على المسلمين رجالاً ونساء وأطفالاً. وتقول الباحثة إن إقبال الناس على لباس الأعاجم كان كبيراً منذ وقت مبكر، "وهي ظاهرة استرعت انتباه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل إن التغير في ذوق الناس وميلهم إلى التنعم أزعجه فقال مرة: عليكم باللبسة المعديّة، وكان يقصد الخشونة في الملبس، وقال في مناسبة ثانية: إياكم والتنطع وزي العجم". وتلاحظ الدكتورة إلهام أن الرجال والنساء، الكبار والصغار، اشتركوا في عدد من الألبسة في مجتمع مكة، كالإزار والسروال والقميص وغيرها! و"الإزار" لباس غير مخيط يستر النصف الأسفل من الجسم، يلبسه الصغار والكبار والرجال والنساء، وعرف عن رجال بني عبد مناف قبل الإسلام لبس الأزر الحمراء اللون، كما أن رجال مكة عند ظهور الإسلام لا سيما الأثرياء منهم، كانوا يتخذون الإزار الطويل الواسع، وكانوا يقولون لمن يجعل إزاره كذلك "مُسبل الإزار". و"كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشمر إزاره إلى أنصاف ساقيه واقتدى به أصحابه ونهى عن إسبال الإزار". أما السروال فهو "لباس فارسي الأصل يغطي السرة والركبتين معاً وقد يطول فيغطي الساقين، وقد عُرف في مكة عند ظهور الإسلام وشاع لبسه حتى نصح الخليفة عمر بن الخطاب بالعودة إلى الإزار قائلاً: "فارتدوا واتزروا وألقوا السراويلات". ومن الملابس المشتركة لرجال مكة ونسائها في ذلك العصر "القميص"، وهو الثوب الذي يغطي الجسم كله أو بعضه، وقيل هو الجلباب يلبسه الرجال والنساء، الكبار والصغار، وعرف في مكة عند ظهور الإسلام واستمر لباساً لهم. وتقول الباحثة إن "قميص الرجل منه القصير الذي يصل إلى نصف الساق، ومنه الطويل الذي يصل طوله إلى الكعبين"، فهو أشبه ما يكون بالدشداشة والجلباب. وكان القميص لباس النساء كذلك عند ظهور الإسلام واستمر لبسه، ومن أنواعه النسائية "السيراء"، وتنسج من الحرير الخالص، وقد يكون ملوناً. ويقول الدكتور أحمد محمد الحوفي في كتاب "المرأة في الشعر الجاهلي"، إن اللون الأحمر كان مفضلاً لدى العرب قبل الإسلام وبعده، وكان شعار الملوك والأشراف، وهذا مما حببه إلى الناس. ويضيف أن "السيدة عائشة كانت تحب من ألوان الملابس الأحمر والمعصفر" وهو كذلك لون أحمر يؤخذ من نبات العُصفر أو القرطم، وهو من المحصولات المصرية القديمة، ويزرع بالهند أيضاً لاستخراج الأصباغ والزيت منه. ولبس الرجال في مكة عند ظهور الإسلام أنواعاً من الدروع، منها القصيرة وتسمى "البدن"، وهي بمثابة لباسهم الداخلي، ومنها الدروع الواسعة الطويلة ويقال لها السابلة وهي التي جرها صاحبها لطولها. أما "الدراعة" فجُبّة مشقوقة من الأمام، لبسها الرجال. والدرع أيضاً لباس المرأة في بيتها وعند خروجها، وقيل درع المرأة قميصها. ومن ملابس عرب قريش في ذلك العصر البردة، وهي كساء يُلتحف به، وقد حرص وجهاء مكة والميسورون من أهلها على لبس البردة عند ظهور الإسلام، لا سيما البردة السابغة. وكان الرجال يلبسون البردة في الجمعة والعيدين. ومن أنواع البرود الفاخرة التي عرفتها مكة في العهد الأموي "البرد الذنيبي"، وقد جلبه أحد تجار مكة من سمرقند. ولبست النساء والفتيات أنواعاً متعددة من البرود بعضها يميل إلى الصفرة. ومن البُرُد "السيراء"، وهي فاخرة يخالطها الحرير، ومخططة بخطوط صفراء اللون. ومنها "الحبرة"، وهي موشاة مخططة، وقد شاع لبسها بين النساء في العهد الأموي. كما عرفوا في ذلك العهد البرد المرَجَّل، ويكون من الخزّ، فيه أعلام أو فيه تصاوير الرجال. ولبست بعض نساء مكة الطيلسان المعمول من الديباج. و"الديباج" الثوب الذي سداه ولحمته من الحرير. أما "المُرُط"، فكساء من خز أو كتان أو صوف يؤتزر به وربما تلقيه المرأة على رأسها وتلتفع به. وقد لبسه الرجال والنساء في مكة عند ظهور الإسلام واستمر لباساً لهم فيما بعد. وهناك "المِطْرف"، وهو رداء من خزّ مربع له نقوش قد تكون في أطرافه، لبسه رجال مكة ونساؤها كذلك. ومن ألبسة الرجال والنساء "الخميصة"، وهي ثوب من خز أو صوف، وقيل إنها سوداء أو حمراء في الغالب، ملونة بخطوط خضراء أو حمراء أو صفراء. ومنها أيضاً "الربطة" و"المُلاءة" و"المِلْحفَة". وكان بعض الرجال يصبغونها بالعصفر. وكانت "العباءة" ضرباً من الأكسية عليها خطوط سود كبار، وقد لبسها الرجال عند ظهور الإسلام. ومن متعلقات اللبس "المِنْطَقَة"، وهي كل ما شُدّ به الوسط. أما "النطاق" فهو ما تشد به المرأة وسطها، وقد تلبس المرأة نطاقين. وكانت "النعل" لباس المرأة والرجل من أهل مكة قبل الإسلام وبعده. وهي أنواع، فكان الفقراء يلبسون النعال غير المدبوغة بشعرها، كما ليسوا "نعال الفَرد"، وهي التي لم تُخصف، أما الميسورون فيلبسون النعال المدبوغة. كانت تلك بعض ألبسة الرجال والنساء المشتركة، والمعدة بما يناسب كلا منهما. غير أن الجنسين تميزا بملابس خاصة لا يلبسها الآخر، كما سنرى لاحقاً.