رغم العاصفة الترابية التي ضربت كوكب المريخ في الفترة الأخيرة أثارت مخاوف من إمكانية حرف مسار سفينة الفضاء التي سترسلها وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" إلى الكوكب في وقت لاحق. وقد أكد العلماء بأن المهمة العلمية المسماة "كيريوستي"، ستتابع طريقها دون مشاكل، وبأن المسبار والسفينة في نفس الوقت ستحط على الكوكب يوم الأحد المقبل، وهي أول مرة يتم فيه إنزال آلية كبيرة على سطح الكوكب لإجراء بحوث عملية. وفي هذا السياق يقول "بيت ثيسيجر"، مدير المشروع، "الأمور تبدو هادئة ولا داعي للقلق، ننتظر ما ستسفر عنه اللحظات القادمة". ومن المتوقع أن يعاد إرسال المسبار "كيريوستي" إلى المريخ بعد تغيير موعد نزوله لإجراء بحوث علمية ضرورية ورصد مؤشرات الحياة على الكوكب، وحدد العلماء مكان نزول المسبار في منطقة جغرافية تسمى "جيل كريت"، وهي عملية يقولون إنها تنطوي على بعض التعقيدات، فالأرض ليست مستوية على سطح المريخ، كما أن الظروف المناخية وتداعيات العاصفة الترابية التي اجتاحت الكوكب قد تسبب في التعطيل. هذا ناهيك عن طبيعة المركبة نفسها والتي يزيد وزنها عن 1900 رطل لتكون بذلك الأثقل من نوعها مقارنة بباقي السفن الفضائية التي حطت من قبل على المريخ. لذلك فإن وضعها على السطح يتطلب تعديلات مستمرة يجريها العلماء من محطة الفضاء، الأمر الذي يحتم على العلماء والمهندسين التعامل عن بعد مع عملية الإنزال المعقدة. وفيما يتعلق بالعاصفة الترابية التي تهدد بتأخير نزول السفينة الفضائية على سطح المريخ، أكد العلماء يوم الخميس الماضي أنه تم اكتشاف ما يشبه الزوبعة الرملية على الكوكب في مكان يبعد حوالي 600 ميل عن المكان المخصص لهبوط السفينة، وكانت العاصفة كبيرة بما يكفي لتظهر الرمال المتطايرة منها. ورغم القلق الذي ينتاب البعض من تأثير العاصفة على نزول السفينة الفضائية، يؤكد العلماء أن طريقة تصنيعها وآليات التحكم تجعلها في مأمن من الاهتزازات وتعطيها درجة مقاومة كبيرة مقارنة بباقي السفن الفضائية، لاسيما وأن "كيريوستي" تم تصميمها وفقاً لأحدث المعايير التكنولوجية. وحتى تشكل العاصفة خطراً حقيقاً على السفينة، يقول "ثيسيجر"، يجب أن يكون حجمها كبيراً جداً. لكن بالإضافة إلى العاصفة، هناك مشكلة أخرى رصدها العلماء في مسار السفينة، حيث كشف المهندسون الذين يراقبون تحركها في الفضاء الخارجي وهي تقترب من المريخ أن "كيريوستي" انحرفت قليلا عن مسارها لتتجاوز النقطة المحددة سلفاً لدخولها المجال الجوي للمريخ، بل حدد العلماء درجة الانحراف بحوالي 13 ميلا شرق النقطة المحددة، غير أن ذلك تم تصويبه من خلال آليات التحكم عن بعد ليعاد وضع السفينة على مسارها، وإن لم يكن التصويب مثالياً رغم نجاحه، إذ ستدخل السفينة المجال الجوي للمريخ بعلو 3000 قدم قياساً للحسابات التي كانت مقررة في البداية. ومع ذلك يقول العلماء إن المكان الذي ستحط فيه السفينة الفضائية واسع بما يكفي ليعطي هامشاً من الحركة وتغيير نقطة الدخول، فحسب التقديرات العلمية تصل مساحة مكان الهبوط إلى 12 ميلا مربعاً، والأكثر من ذلك أن السفينة مجهزة بنظام التصحيح الذاتي للملاحة يساعدها على تغيير الوجهة وتصحيحها كلما انحرفت عن مسارها المرسوم. وعن هذا الموضوع يقول "توماس مارتن مور"، رئيس فريق الملاحقة الجوية في المهمة العلمية، "نحن نقوم بكل ما يلزم للوصول إلى هناك بسلام والحفاظ على السفينة دون أعطاب". هذا ويأمل العلماء في أن تساهم السفينة الجديدة في تسليط الضوء على بعض الأماكن المعتمة في المريخ ومساعدة العلماء على فهم أعمق لبنية الكوكب، بالإضافة إلى رصد أية إشارة على وجود حياة في المريخ بعدما كثرت التكهنات حول الموضوع. لكن الأهم من ذلك تمهيد الطريق أمام الاستكشاف البشري لكوكب المريخ في مراحل لاحقة، وهي العملية التي لا يمكن المجازفة بها إلا بعد فهم جيد للكوكب ومكوناته ومدى قدرة الإنسان على تحمل الأجواء على سطحه قبل إرسال فريق العلماء، لاسيما بعدما أعلن أوباما في وقت سابق أنه سيرسل أول إنسان إلى المريخ في حدود 2030، وهو أمر لن يكون سهلا، إذ خلافاً للمدة القصيرة التي استغرقها وصول الإنسان إلى القمر، والتي لم تتجاوز ثلاثة أيام، سيستغرق الوقت بالنسبة للمريخ رحلة تمتد على مدى تسعة أشهر ذهاباً وتسعة أشهر أخرى إياباً. وما زال العلماء يدرسون كيف يمكن للإنسان مقاومة نسبة الإشعاع العالمية على الكوكب، بحيث سيكون على رواد الفضاء ارتداء درع واقية لحمايتهم من الإشعاعات العالية، لكن في نفس الوقت يتخوف العلماء من وزنها الثقيل وإعاقتها لحركة الرواد. وفي هذا السياق جُهزت السفينة الفضائية، "كيريوستي"، بنظام خاص لقياس نسبة الإشعاع على سطح المريخ، إذ معروف أن كوكب المريخ يفتقد للقدرة على صد الإشعاعات أو استيعابها مثل كوكب الأرض، بالنظر إلى غطائه الجوي الشفاف وغير السميك من جهة، وضعف مجاله المغناطيسي من جهة أخرى. سكوت جولد كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"