مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تتمثل القناعة الطاغية التي يعبر عنها أعضاء كلا الحزبين في أن البلاد مستمرة في التراجع على نحو خطير. ويمكن القول إنه في حال تم انتخاب الرجل الخطأ، فإن خروج البلاد عن السيطرة سيزداد، والكوارث ستعقبه. فعلى اليسار، يمكن القول إن أكثر توقع دراماتيكي بالكارثة سيُسمع هو نوع من أنواع الفاشية -بدون المكون العرقي في الفاشية التاريخية- الناتج عن قوى بلوتوقراطية تنشط منذ بعض الوقت في البلاد، وروح حربية جديدة (سياسة الحفاظ على جيش قوي والاستعداد لاستعماله بشراسة للدفاع عن المصالح الوطنية) أنتجتها احترافية الجيش و"الحرب على الإرهاب"، وتجاهل المبادئ القانونية الدستورية وتآكلها... وهي ظاهرة تبلورت في عهد جورج دبليو. بوش وتواصلت في إدارة أوباما. ومما يقوي ويزيد من معقولية هذا السيناريو انبثاقه عن سوابق داخلية مؤكدة وثابتة. أما على اليمين، فإن السيناريو الكارثي الذي يرافق احتمال إعادة انتخاب باراك أوباما، فهو في أكثر نسخة لجمهوريي حركة حفل الشاي تواضعاً، "حكومة على النموذج الأوروبي"، بكل ما ينطوي عليه ذلك من فظاعات "اشتراكية"، بدءاً برعاية طبية شاملة وانتهاءً بـ"هيئات الموت". ذلك أن سياسة أوباما تعني بالنسبة لهؤلاء الناخبين نسخة من حكومة أوباما الحالية مع تمديد السياسات الموجودة إلى درجة مبالغ فيها، وهو ما يعني، في أذهان الكثير من الناخبين الجمهوريين (والمعلقين)، الشيوعية بكل مظاهرها وتجلياتها باستثناء معسكرات العمل. وهذا بالطبع ليس أكثر من هراء، لذلك أعتقد أن النقاش الوطني أضحى مصدر عار. أما رأيي المتواضع والسوداوي بخصوص النتيجة، فهو الرأي الذي تشير إليه استطلاعات الرأي الحالية بخصوص التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة: طريق مسدود، يشبه إلى حد كبير ذاك الذي تعاني منه البلاد حالياً. أما بخصوص الشؤون الدولية وسياسة الولايات المتحدة الخارجية، فإن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تسلحاً على وجه البسيطة، وقد قامت بنشر قواتها عبر مختلف بقاع العالم، كما أن نخبها ملتزمة بمجموعة متنوعة من الإيديولوجيات والنظريات التي تستطيع أي منها تقريباً إشعال حرب يمكن أن يتعرض فيها الداخل الأميركي لهجوم، وتتكبد فيها القوات الأميركية، باستعمالاتها الواسعة، خسائر من حجم الخسائر التي منيت بها في فيتنام والحرب الكورية أو أسوء منها ربما. ومن المعلوم أن سوريا بشار الأسد هي حليفة لإيران، وأن إحدى النظريات الحالية المعادية لأميركا وإسرائيل تقول إن الانتفاضة السورية تمت بتحريض منهما، وإنها مدعومة بشكل غير مباشر من أجل إزالة دولة سورية تشتغل من المشهد في الشرق الأوسط، وهو عمل له علاقة بهجوم قادم على إيران من قبل إسرائيل وتدعمه الولايات المتحدة. ويذكر هنا أن كلا مِن الرئيس أوباما وميت رومني جددا خلال الأيام الأخيرة التزامهما المعلن تجاه مثل هذا الهجوم). ويشكل الرد الانتقامي من جانب إيران، والذي يمكن أن يكون أكثر فعالية مما يُعتقد اليوم عموماً في الولايات المتحدة، موضوعاً لكثير من التحليلات الغربية. ولننتقل الآن من الشرق الأوسط إلى آسيا، والتهديد المفترض المتمثل في "محاولة (صينية) لحكم العالم" (أو آسيا على الأقل). فهذه فكرة تؤخذ في واشنطن وفي الرأي الشعبي الأميركي بجدية أكبر مما ينبغي، الأمر الذي يوفر الفرصة لأخطاء جد فادحة. وفي العدد الحالي من مجلة "بروسبيكت" البريطانية، يتأمل مارك كيتو فترة الـ36 عاماً من العمل والعيش التي قضاها في الصين. ويقدم أحكاماً قيِّمة حول هذا البلد، واقتصاده الهش، وفقاعة العقار الضخمة، وتفشي الفساد العام والخاص، وتوتراته الإثنية، ومشاعر الاستياء المنتشرة في مناطقه الريفية وبين طبقته العاملة، والقيادة الرجعية لحزبه، والتي توجد الآن في أزمة عميقة، مثلما تشير إلى ذلك فضيحة بو شيلاي/جو كايلاي المدوية، عشية اجتماعات من المتوقع أن تحدد قيادة البلاد خلال السنوات القادمة. إن الصين، مثلما يقول كيتو، تبدو كبيرة ومهمة ولافتة جداً لانتباه العالم بسبب حجمها وناتجها المحلي الخام؛ غير أن المرة الأخيرة التي كانت فيها قوة مهيمنة هي عندما لم يكن العالم يشمل الأميركيتين وأوروبا متنورة (أو أسلحة نووية). ويكتب كيتو في هذا الصدد: "هناك احتمال متزايد لحدوث اضطراب في الصين في غضون السنوات القليلة المقبلة، يفجره تحطم قطاع العقار … ويعتقد بعض المعلقين أن ذلك سيؤدي إلى ثورة، أو انهيار للدولة. وهناك أسباب وجيهة في الواقع للتفكير على هذا النحو". وبالتالي، فحري بالولايات المتحدة أن تعامل الصين بأكبر قدر من الحذر الآن وخلال المستقبل المنظور. غير أن حكومة أوباما الحالية قامت على نحو متهور وغير حكيم بتصعيد حرب أفغانستان ("الحرب الصحيحة" كما تسميها)، كما أنه مازالت لديها طموحات عالمية، مثلما تشهد على ذلك نشاطاتها المتوسعة في آسيا الوسطى والتصعيد الجديد في إفريقيا. ومؤخراً، اختتم خصم الرئيس، ميت رومني، زيارة إلى الخارج كانت حصيلتها الرئيسية هي إظهار جهله العميق بالعالم الخارجي حتى ببريطانيا حيث جعل من نفسه مهرجاً؛ وفي إسرائيل حيث أحرج تذلـله وتملقه حتى مضيفيه. فما الذي فعلته الولايات المتحدة يا ترى حتى تستحق هذا؟ --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفسز"